ياسر عمر سندي

الطاولة المستطيرة

الأربعاء - 31 مارس 2021

Wed - 31 Mar 2021

يتعمد بعض الموظفين في مختلف المستويات التنظيمية وخصوصا المناصب العليا في المنظمات ممن يعتريهم التشنج والاحتقان الإداري الذي يصاحبه في الغالب الهيمنة السلوكية أثناء الاجتماعات الدورية أو الطارئة لمناقشة الموضوعات والمستجدات لتنطرح أزمة موجودة في اللاشعور تتصدر المشهد بأساليب التحكم والسيطرة على الموقف بمداخلة قاسية بالمقاطعة ورفع الصوت بلا سبب مقنع أو تجدهم يسقطون السخريات والتهكمات ويشيعون النكات ويبدؤون بفرض أسلوب الرفض لتغيير مجريات الأمور وتوجيهها لمصلحتهم الشخصية ليحدث ما يسمى بالتنمر الإداري وهنا يكمن لب الصراع.

ربما كان أول بزوغ لفكرة إنشاء الطاولة المستديرة بحسب الرواية الأسطورية المذكورة في كتاب «موت آرثر» للكاتب توماس مالوري والذي أصدره في القرن الخامس عشر الميلادي والذي تحدث فيه عن شخصية بريطانية قديمة اسمها «آرثر» قيل أنه كان ملكا في تلك الفترة وفي رواية أخرى قيل بأنه أحد المحاربين القدامى البارزين والذي جمع بين الشجاعة والإقدام والقوة والحكمة وكان يلتقي فرسانه وأعضاء مجلس الدولة من أهل الحل والعقد من المستشارين والسياسيين على مائدة مستديرة ليراهم أجمعين ويرون بالتالي بعضهم بعضا للتشاور في الشؤون العامة ورسم الخطط الحربية والتكتيكية.

علم السلوك التنظيمي الذي يهتم بدراسة سلوكيات الموظفين وتفاعلاتهم داخل المنظمات والشركات والمؤسسات يركز على هذا الجانب المهم وهو تقنيات ومهارات ضبط النفس وتحديدا على طاولة الاجتماع بغرض البعد عن ذلك التنمر السلوكي اللفظي والفعلي والإيمائي لإضفاء جو الاحترام العام وعدم إضاعة الوقت والجهد فيما لا يلزم من مواضيع جانبية هشة ليست لها علاقة بمجريات الاجتماع أو أحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع ليست لها قيمة مضافة في التطور والتطوير للمنظمة والعمليات والأساليب الإدارية أو حل المشكلة المراد الاجتماع من أجلها.

من المفترض أن يتم الجلوس على هذه الطاولة لطرح المفيد وتدوير الجديد بعيدا عن الاستعلاء المهني من حيث التباهي والتكبر بالمناصب والدرجات الوظيفية أو التطاول المعرفي بالشهادات الدراسية والخبرات العملية والنواحي الثقافية بالفهم والإدراك والاستيعاب أكثر من الآخرين والذي يحدث في غالبية الاجتماعات التي يتم عقدها على طاولات مستديرة شكلا ولكنها بعيدة كل البعد مضمونا من حيث الإسقاطات السلبية المنفرة التي تتم بين الأعضاء المجتمعين.

الشاهد في الأمر أن تصميم الشكل الدائري للاجتماعات له هدفان رئيسان، الأول هو الجلوس بطريقة مستديرة توحي للجميع بأنهم سواسية في المقام الأول على اختلاف ألوانهم وأشكالهم ومعارفهم وأدوارهم، والأمر الثاني هو الشخصية المعنية بالتحكم وإدارة دفة الحوار، وهو معهم في تلك المنظومة المترابطة معنويا بصرف النظر لمكانته ومنصبه المحفوظين سلفا.

أنا لا أتحدث هنا عن آلية إدارة الوقت في الاجتماعات من بنود وأجندات، ولكن أركز على نوعية النفسيات التي تدار بها الاجتماعات، وألاحظ شخصيا بأن أعضاء الاجتماع يجلسون بطريقة دائرية لكنهم في حقيقة الأمر اللاشعورية هم يديرون ذلك الاجتماع بطريقة الطاولة المستطيلة بأفكارهم التي يتسيدها المدير صاحب شخصية الرأي الأوحد فيقرب منه من يريد عن يمينه ويقصي عنه من يشاء إلى شماله ويتبع منهجية فرق تسد ويخلط الحابل بالنابل ليخرج الاجتماع بعد ساعات من الشد والجذب بالتشاحن والتطاحن وطرح ما علق بالنفس من سوادها ليكون الاجتماع شرا مستطيرا وينتج عنه التحريف والتأليف والنفاق وعدم الاتفاق.

لا يخفى على الجميع أن اجتماعا واحدا يكلف المنظمة كثيرا إذا ما تم احتسابه بالساعات الإنتاجية مقابل الفترات الإنجازية، فما بالكم بطرح الإسقاطات الشخصية خلال ذلك الاجتماع الذي يدار بفكر الطاولة المستطيرة.

Yos123Omar@