ماجد التميمي

حرية الاختيار وتلبية الفروق الفردية

الاحد - 21 مارس 2021

Sun - 21 Mar 2021

تسعى المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء الأخرى لمنظمة الأمم المتحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ولما للتعليم وسياساته من دور كبير بإمكانية تحقيق هذه الأهداف جعلت منظمة اليونيسكو «ضمان التعليم الجيد للجميع والمنصف وتعزيز فرص التعليم المستمر مدى الحياة للجميع» هدفا لها.

تحقيق المساواة في التعليم للجميع وفرصه كان ينظر إليه على أنه هدف يصعب تحقيقه إن لم يكن مستحيلا، ليس فقط المساواة بين دول العالم ولكن حتى على مستوى الدولة الواحدة، وذلك لصعوبة توفير فرصة التعلم الجيد عند معلم جيد )بما أنه أهم عامل مؤثر في تعلم الطلاب( للكل وأحد أسباب الصعوبة أو الاستحالة هي قلة العرض (المعلم الجيد) مقابل كثرة الطلب على التعليم.

هذا بخلاف تعددية تعريف معنى التعليم الجيد بناء على تعدد الفروق الفردية بين المتعلمين.

صعوبة أو استحالة تحقيق ضمان التعليم الجيد للكل يؤثر على عدم إمكانية تحقيق أهداف التنمية الأخرى كالقضاء على الفقر، فجودة التعليم وفرصه هي محددة لدخل الفرد بالمستقبل وفرصة التعليم الجيد كانت مرتبطة بالحدود المكانية، مما يجعل ابن الغني غنيا وابن الفقير فقيرا، وذلك لارتباط المدرسة الجيدة المرغوبة من المعلمين المتميزين غالبا بأحياء الأثرياء والمدرسة غير الجيدة وغير المرغوبة بالمعلمين المتميزين بالأحياء الفقيرة، مما لا يجعل المدرسة تساهم بكسر دائرة الفقر.

وكحل لهذه الإشكالية ولإشكاليات أخرى تحد من إصلاح التعليم دعا ميلتون فريدمان لتوسيع خيارات المتعلمين بتوفير قسائم تعليمية يستطيع الطالب من خلالها اختيار المدرسة التي يريدها ليتيح له الانتقال من مدرسة الحي الذي يعيش به إلى أي مدرسة أخرى، حتى وإن كانت ليست حكومية كي لا يكون حق الاختيار لمن عنده القدرة المالية فقط. ولكن حتى مع تطبيق القسائم التعليمية على نحو محدود لم تتم الاستفادة من منها بشكل جيد، فاختيار المدرسة ليس معتمدا فقط على الرسوم الدراسية، فصعوبات مثل تكلفة الوصول للمدرسة الأخرى والوقت الذي تستغرقه صعبت من استفادة المتعلمين من القسائم التعليمية فبقيت اختيارات الطلاب محدودة بأين يسكنون.

ولكن مع التحول للتعليم عن بعد والتعليم باستخدام التقنية، أصبح من الممكن تطبيق أفكار فريدمان بفاعلية، وأن يتاح التعليم والمعلم الجيد للمتعلم بغض النظر عن مكان ولادته أو معيشته، وذلك عند استثمار نقاط القوة في التحول للعالم الافتراضي أو لعالم الإنترنت وهدمه للحدود المكانية المقيدة للفرص التعليمية ومن ثم دخل الفرد بعد ذلك.

ولكن استثمار عالم الانترنت أو التعليم عن بعد يحتاج لسياسات تعليمية مختلفة عما في السابق، فليست السياسات الصالحة لتطبيقها بالتعليم التقليدي صالحة للتطبيق مع الاعتماد على التعليم عن بعد كما هي من دون تحديث وتطوير.

فسياسة قبول الطلاب على سبيل المثال من الممكن أن تصبح أكثر مرونة تستثمر بها مرونة التقنية، وذلك بفتح المجال للمتعلم بغض النظر عن مقر سكنه لاختيار معلمه، وليس فقط مدرسته كي يتاح للكل بغض النظر عن دخل الفرد أو مكان إقامته فرصة التعلم الجيد عند معلم برأيه أنه جيد (بناء على البيانات التي عنده من تقييم الطلاب السابقين والأهالي وجهات التقييم الأخرى).

لكن هل من الممكن توفير معلم جيد للكل؟

المعلمون كما هم الطلاب مختلفون ومتنوعون بأساليبهم وكما نؤمن بتعدد الذكاءات وتعدد الفروق الفردية لا أظن أن هناك نمطا أو أسلوبا تعليميا واحدا يعد هو الصحيح وما عداه خاطئا. الصحة والخطأ عندما يشار إليها عند الحديث عن طرق التدريس هو عادة يعني بشكل مقصود أو غير مقصود مدى مناسبته لمتوسط الطلاب، ولكنه بنفس الوقت مسبب لفاقد تعليمي عند مجموعة من طلاب الصف يعتمد حجمها على حسب بعد هذه المجموعة عن متوسط هؤلاء الطلاب المناسبين لهذا المعلم، وقد تصل هذه الطريقة لدرجة السلبية على المجموعة البعيدة جدا الذي كان من الممكن أن يطلق عليهم مبدعين.

فالتعددية في صفات المعلمين والمتعلمين تجعل من الممكن القول بأنه ليس هناك معلم إلا له محبون ومعجبون بطريقة تدريسه أو تعامله، وهناك من الطلاب غير المحبين لأسلوبه أو تعامله، مما يمكن من القول بأنه ليس هناك معلم مميز عند الكل وليس هناك معلم سيئ عند الكل.

فالمرونة في عملية القبول لن تعزز دافعية الطالب فقط، وذلك بوجوده عند معلم يرى أنه مناسب له، فالمعلم أيضا سيتكون له فصل من طلاب هم الأنسب لاتجاهاته، طلاب يرغبون بالتعلم عنده فلن ينشغل كثيرا بالمشاكل السلوكية الناتجة من حالة عدم رضا من الطالب بوجوده داخل الفصل.

زيادة الطلب عليه أيضا من المتعلمين توصل له رسالة تقدير واعتراف من المجتمع، مما ينعكس على رضاه الوظيفي وأيضا على قيمة عمله في السوق وخاصة مع التحول للتخصيص، فالمدرسة الخاصة تحتاج أن تكسب العميل أو بالأصح أن تكسب قسيمته التعليمية بجذب المعلم الذي سيزيد الطلب عليها كمدرسة.

والإيجابية من هذه المرونة تتعدى ذلك للجهات التنظيمية للتعليم من وزارة وغيرها، فقد لا تكون الاستعانة بالاختبارات المعيارية للطلاب أو للمعلم قد يغيب عنها المصداقية ضروريا لمعرفة المعلمين الأعلى تميزا من سواهم، فالسوق (العرض والطلب) سوف يفرز المعلمين، ومن يناسب السوق فهو لأنه جيد ويبقى، أما من لم يلب احتياجات السوق ولم يحاول المنافسة فالسوق سيخرجه.

وستعزز هذه المرونة من كفاءة الإنفاق على الفصول الدراسية، فعدد الفصول سيكون بناء على الاحتياج وبعدد متساو تقريبا من الطلاب بجميع أنحاء المملكة.

هذا علاوة على أنه من الممكن أن تستخدم هذه المرونة سواء بوقت التعلم أو ما على الطالب أن يتعلمه من مقررات، فالتقنية والعالمي الرقمي يمكن أن يلبيا هذا التنوع بيننا كمتعلمين ومعلمين وأكثر، بدلا من الاعتماد على لوائح تراعي من هم بمنطقة الوسط.

في النهاية، قد يصعب تطبيق مثل هذا المقترح في بعض الدول لاعتماد المدرسة فيها على ضريبة الحي، مما يصعب فتح المجال لطلاب الأحياء الأخرى فرصة التعلم بالمدرسة الجيدة بالحي الآخر، لكن مركزية التعليم في المملكة العربية السعودية تجعل من الممكن تطبيق ذلك.

@majed233