عبدالحليم البراك

العلم يبدو متطرفا ساذجا!

الاثنين - 08 مارس 2021

Mon - 08 Mar 2021

في وقت ما سحق العلم - ولا يزال - كل شيء حوله، سحق الخرافة والتخلف، وأجهز على الجهل والغباء، وقلل من الفقر والمرض، وحقق الرفاهية للإنسان وقلل من الكد والتعب، كل هذه انتصارات العلم وأكثر، بل إن العلم مد بصره وبصيرته للكون في أقصى حالاته، حتى رأى بعينه الثقب الأسود، ودرب التبانة، ومجرات أخرى لم يكن يحلم برؤيتها، ولم تقف انتصاراته في الحاضر، بل مد من انتصاراته حتى اكتشف الماضي السحيق بفضل الكربون المشع فقدر أعمار الأشياء، ولم يتوقف عندما كان يعرفه الإنسان السابق من أن تاريخ الإنسان منذ 3000 سنة فقط، أو 5000 سنة فقط، بل غطى مئات الملايين من السنوات أو تزيد!

ونتيجة لهذه النتائج المبهرة أزاح العلم الفلسفة عن طريقه كما أزاح الأخلاق، ليس لأنهما شر محض كما الجهل والفقر، بل لأنهما بديا أضعف منه، لكن غرور العلم أصابه في مقتل، وإن لم يمت بعد!

العلم متطرف مثله مثل الجاهل المتطرف، فشطر الذرة، وفجر النواة، وبدلا من تسخيرها لإنتاج الطاقة الآمنة فقط، صارت هناك قنابل تهدد الكرة الأرضية لو انفجر بعضها لاختفت الأرض من الكون كله، فالعلم قدم مع الخير، طبق الشر أيضا، واستنسخ العلم النعجة «دولي» ثم قاتل ليحرم الاستنساخ على بني البشر لأثره الضار والجنوني، فمن يمنع مجانين العلم من فعل ذلك؟ وتطرف العالم والعلم في استخدام غاز الفريون حتى بدأ هذا الغاز بعمله الأخرق؛ بخرق طبقة الأوزون حتى اضطرت دول العالم لإصدار قوانين لمنع استخدام غاز الفريون، واسأل العلم الساذج عمن التزم بذلك؟ ومن تجاوز الممنوع من جهلة العلم والإنسان؟

أما سذاجة العلم، فإنه ما من علم يتطور إلا ويستغله حفنة من البشر، فالبطاقة الائتمانية التي سهلت الدفع الالكتروني، حدثت بفضل التقنية الحديثة، وبفضل التقنية الحديثة والعلم تمت سرقة أموال الناس، وبفضل الكاميرات التي وثقت ذكريات الناس وصارت الصورة في متناول الإنسان، هي نفسها الكاميرات التي فضحت الإنسان في عقر داره، ولا أدل من ذلك من أخطاء اجتماعات «الأونلاين» في بيوتهم، وهذا ما نعرف، وما لا نعرف أكثر، ولا يزال الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء تعطيك الخدمة، وتأخذك منك (بالعلم وتطرفه وسذاجته وجهلة بأهدافه) خصوصيتك وحياتك التي تريدها لك وحدك!

أما غباء العلم، فلا يمكننا القول بأن الغبي هو الذي يجهل كل شيء، بل الغبي هو الذي يجهل جهله، والعلم يجهل أنه تم استدراجه ليتطور في طريق؛ وتتم سرقة أخلاق العلم واستغلاله في طريق آخر، ولا أدل على ذلك من التسويق الذي اخترق أفكار الناس وصار يجعل الناس تفضل أن تشتري جهازا ذكيا لا تحتاجه أو علبة سجائر ضارة، برغم أنها لا تملك قوت يومها.

أخيرا، قد يقول أحدنا: هذه أخطاء الإنسان وليست أخطاء العلم، ولا مشاحة في الاصطلاح، فالذي صنع العلم هو الإنسان بأخطائه وسذاجته وتطرفه، ولولا الإنسان الذي استبعد البعد الغائي للأشياء وأخلاق الحياة وارتباطها بما ينتجه، لما ولد هذا التطرف، فالقاتل ليس هو السلاح الذي انطلقت منه الرصاصة، بل القاتل هو الإنسان الذي صنع وشارك وضغط على الزناد، وعلينا أن نعيد نظرتنا نحو علم أخلاقي غائي، لا علم فوضوي متطرف!

Halemalbaarrak@