عبدالله الزرقي

حالة تأمّل

الخميس - 04 مارس 2021

Thu - 04 Mar 2021

وجدته متكئا على حافة سور كورنيش البحر غارقا في تفكيره وعيناه بهما لمعان دمعات تكاد تخرج، يمنعها حياؤه بأن يراه أحد فيقول له: رجل يبكي.

ربت على كتفه وسألته: ما الذي يشغل تفكيرك لهذا الحد وأنت خير الرجال ويدك بيضاء على الجميع، لم تسرق ولم تظلم ولم تؤذ حتى الكائنات الحية الصغيرة. بل رفعت أناسا كثيرين وأحسنت لهم برغم إساءتهم لك ولم تكن تنتظر منهم حتى كلمة شكر أو ثناء؟ ما الذي جعلك تستعيد ذكريات هذا الألم وتقف في لحظات تأمل حزينة؟

نظر إليها وقال: أحسب ما تبقى من عمري وهل سأنجو من هذه الدنيا وأخرج منها بسلام. أتفكر في أولئك أصحاب الياقات البيضاء الذين لم يدخروا وسيلة أو طريقة كي يؤذوني وقد استطاعوا بفضل قوتهم وجاههم وحصانتهم وعلاقاتهم الممتدة في كل قطاع، ولم يخلُ خرم إبرة إلا ولهم فيها مكانة ويد، يستطيعون أن يحركوا كل شيء ضدي، حتى إنهم زيفوا كل الحقائق وصدقهم الجميع بمن فيهم أنت يا حبيبتي، فقد كدت أفقدك لتصديقك ما افتروه علي وعن نزاهتي ونظافة يدي.

لم أستطع الدفاع عن نفسي ولم أقدر أن أسايرهم، فإن سايرتهم خسرت نفسي ومبادئي وأصبحت مسخا مثلهم لا قيمة لي ولا حصانة على الأقل أمام نفسي وأمام ربي.

تنهد وأكمل: أتخيلهم حين ينقضي الأجل المحتوم ونتوارى تحت التراب ثم نبعث ونحن نقف بين يدي الله نتخاصم عنده وأقول؛ يا رب هؤلاء أخذوا حقي في الدنيا واستقووا علي بخيلهم ورجالهم، وتركوني أعاني ضربات ظلم متلاحق، فأنت الحق يا الله أنصفني منهم. كيف سيكون منظرهم؟ والله إني أشفق عليهم. قد يكونون قد أخفوا حقيقة أنفسهم عن الناس ولكنهم لن يتمكنوا من إخفاء ما أقدموا عليه أمام من لا تخفى عليه خافية. مضى العمر وتركوني أعاني وتركوك أنتِ وأبنائي حتى بعد مماتي إن حدث تعانون الأمرين. تدميرهم لم يلحقني وحدي، بل لحق بمستقبلي ومستقبل واستقرار أبنائي.

حضنته وقالت: لا عليك فوالله ما هذا إلا ابتلاء من الله، لا تقلق بشأننا فمن خلقنا قد تكفل بنا. لا أريدك أن تتجرع الألم ما بين وقت وآخر، فأنت المكسب الوحيد المتبقي لنا وأنت العمود الذي نشد به أزرنا فإن انهرت انهار كل شيء من بعدك.

ابق كما عودتنا، قوي الشكيمة مرفوع الرأس ولا تبالي بما تقوّلوا به عليك، فخير مني ومنك قد تعرضوا له محمد صلى الله عليه وسلم الذي ما زال إلى يومنا هذا يقدحون في عرضه وأخلاقه وهو خير البرية، ومع ذلك ما زاده الله إلا رفعة وتعظيم شأن.

دعهم لخالقهم وسيأتي اليوم الذي ترى فيه عدالة السماء تنصفك في الدنيا قبل الآخرة، يقول الله في حديثه القدسي «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين»، تدعيما لنصره من دعاه مظلوما. ألا يكفيك هذا القسم الذي قطعه الله على نفسه؟ فلا تخف على نفسك، بل خف عليهم فهم في غيهم يعمهون.

كانت كلماتها له كالبلسم الذي خفف عنه جرحه وآلامه. تبسم وحضنها وقال: ألا ليت قومي يعلمون.

@unzorgi