محمد الأحمدي

الديمقراطيون الجدد والهجوم على الأنظمة المستقرة

الثلاثاء - 02 مارس 2021

Tue - 02 Mar 2021

أتجاوز وإياكم المفهوم التسويقي للديمقراطية الذي يشير إلى تقليل نفوذ السلطة، ومساعدة المجتمع في الرقابة على الحكومة، إلى نظرة عميقة في إحدى الفلسفات التي شكلت جزءا من هذه الديمقراطية.

ولكن قبل ذلك، نستعرض ركيزة أساسية حول الديمقراطية التي أثارت استغراب بعض المشاهدين لأحداث الشغب الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

يأتي مبدأ التداولية في الحكم، ومشاركة المجتمع المدني للقرار، والنقاشات الحوارية، والتسويات والتوافقات التي تصل إلى الاقتراب من الإجماع، وإن كان هذا الإجماع يميل إلى الحلول التقاربية لجميع الممثلين بطريقة منطقية يغلب فيها العقل مبدأ واضحا في الديمقراطية.

لكن يغيب عن البعض المبدأ الراديكالي الأهم الذي لم يظهر بشكل واضح للمشاهد البعيد عن الأحداث إلا مؤخرا، وهو كيفية اكتساب السلطة في حالة فشل التداولية السلمية أو التوافقية في مبدأ الديمقراطية التداولية.

نعم، تكتسب من خلال الشارع بطريقة راديكالية، حينما تخرج المعارضة مطالبة بالاعتراف بالحكومة التي تراها هي.

ولكن هذا الخروج يصاحبه عمليات متطرفة ينتج عنها أعمال شغب، وعنف، وحرق، وتكسير..إلخ من أجل الضغط على صاحب القرار للتخلي عن السلطة.

وأوضّح ذلك في مثال لتصل إليكم أشكال الديمقراطية الثلاثة: عندما ترغب بشراء جهاز لابنك فهناك ثلاث سبل في نظر الديمقراطية: الأول الديمقراطية التجميعية بمعنى كيف نصل إلى إجماع في العائلة على مبدأ الشراء أو نوع الجهاز.

وهذا قد يعترضه صعوبة الموافقات الإجماعية، والثاني بعد المناقشات المنطقية والإقناعية حول شراء الجهاز تتم عملية إجماع جزئي مبني على المنطق والمصلحة، في هذه الحالة هي ديمقراطية تداولية، أما السبيل الثالثة فهي الديمقراطية الراديكالية عندما يقوم أحد أفراد العائلة بالاحتجاج والعصيان، ورفض طرح المبدأ جملة وتفصيلا للمناقشة بدعوى الحاجة، ثم يعمل على الضغط على الوالدين بالتهديد أو التكسير، أو الإضراب عن الطعام، من أجل تلبية احتياجاتهم.

وفي هذا المبدأ تقييد لحقوق التعبير، ومصادرة لإجماع الآخرين الذين شاركوا في صنع القرار. ولذا يقول الفيلسوف الإيطالي الاشتراكي الليبرالي نوربرتو بوبيو Norberto Bobbio إن الديمقراطية الليبرالية الحديثة تقيد الحقوق العامة في صنع القرار.

والديمقراطية الأمريكية الحديثة خرجت من عباءة الحركة التحررية التي تأسست على فكر كارل ماركس في مدرسة فرانكفورت الألمانية، ثم تطورت بهجرتها إلى فرنسا وكندا والولايات المتحدة بعد سلطة الحزب النازي على ألمانيا.

ومن مؤسسيها ماكس هوركهايمر، وثيودور أدورنو، هيربرت ماركوز وصولا إلى يورغن هيبرماس رمز النظرية النقدية التحولية في الديمقراطية التداولية.

وهنا أشير إلى أن الديمقراطيين الجدد، وأسيادهم في مؤسسي النظرية النقدية لا يميلون إلى الاستقرار ولا يفضلون أي وثيقة مستقرة وثابتة كالدستور مثلا، لأنهم يعتقدون أنها انطلاقه لتشكيل السلطة والقوة والهيمنة، لا بل قتل مخططاتهم في مرونة التداول القائم على التناقضات في المجتمع.

فهي تحالفية في أصلها ولا تعيش دون تحالفات جماعية، ويشيع في التحالفات التغيير والتبدل وليس الاستقرار والثبات.

وبالتالي فإنهم يشكلون الواقع والحقيقة من الصراعات والتاريخ. فالأخطاء من وجهة نظرهم لا تغتفر أبدا ولا توبة عند الديمقراطيين النقديين التحوليين حتى وإن طأطأت رأسك لهم. ولذلك ما زالت ألمانيا تكتسي وصمة ما فعله هيتلر آنذاك رغم تحولها، وبهذا فإنهم يحاربون أي نظام مستقر في العالم، كالملكيات أو الأنظمة الحزبية التي تمتلك رؤية بعيدة المدى لتناقل السلطة فيما بينها بطريقة الديمقراطية الاجتثاثية للدول القائمة، وإعادة بناء نظام جديد مكون من أطياف المجتمع.

وهذه عملية تسمى بالديمقراطية المباشرة أو الاشتراكية التي تنقل المجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية المبطنة بالديمقراطية والتي كررها الرئيس ترمب في تصريحه ليلة الأحد في مؤتمر CPAC.

وبعد معرفتكم للنزعة الديمقراطية الراديكالية، وتأثير اليسار التحرري بأطيافه، وأحزاب الطاقة البديلة، والاشتراكيين، والليبراليين، وحركة تحرير المرأة، المسيطرين على الحزب الديمقراطي الأمريكي في الوضع الراهن، ومعرفتكم للتناسق بينها وبين وسائل الإعلام؛ فإنه في هذا السياق لا أرى غرابة في الهجوم المباشر على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من هذه القوى المتألمة، ودفع الإعلام لمحاربته.

فالإعلام عند الديمقراطيين التحرريين وسيلة لتشكل الحقيقة في نفوس المجتمعات، أو استرضاء التحالفات. ولذا فرّق هابرماس بين فعل التواصل وبين وسيلة التواصل.

لأن الوسائل كالتكنولوجيا والإعلام تتأثر بالمال والسلطة في الرأسمالية وتتأدلج بأيديولوجيات النظام المهيمن عليها.

@alahmadim2010