عبدالله العولقي

بايدن وخطاب الديمقراطية

الاثنين - 09 نوفمبر 2020

Mon - 09 Nov 2020

مرت المنطقة بوقائع سياسية جسيمة من بينها أحداث 11 سبتمبر2001، التي صعّدت إثرها الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه المنطقة من لهجة خطاب الديمقراطية، سواء الديمقراطيون أم الجمهوريون، واستعملت كل السبل الإعلامية للترويج الدعائي، حتى أصبح هذا الملف من جوهر إدارة البيت الأبيض كما يقول الأستاذ الكاتب محمد فرحات، وقد عانت منطقة الشرق الأوسط كثيرا من هذا الخطاب الجهوي، ودفعت بعض الشعوب العربية فاتورته الباهظة بالدمار والتهجير والنزاعات البينية.

وقد تنوعت لهجات هذا الخطاب بتنوع إدارات البيت الأبيض، فقد كان حاضرا بلغة القوة الخشنة، كما حدث إبان عهد بوش الإبن، عندما انساقت الآلة الإعلامية الأمريكية تبشر بالديمقراطية في العراق وأفغانستان، وبعد إسقاط نظامي صدام وطالبان، شرعت واشنطن برسم هيكلية للديمقراطية شبيهة بالنظم الغربية عبر البرلمان والأحزاب والاقتراع، ولكن التجربة فشلت فشلا ذريعا لغياب الثقافة الديمقراطية والفكر الحاضن لها في المجتمعين العراقي والأفغاني، حتى انساق البلدان إلى صراعات أثنية ما زالت كوارثها تضرب العراقيين والأفغان حتى الآن.

كان السيناتور السابق جوزيف بايدن، الرئيس القادم للبيت الأبيض، شاهدا على كل أحداث المنطقة العربية، كونه يتمتع بخبرة سياسية عريقة تقارب النصف قرن، بل إنه كان نائبا للرئيس أوباما عندما دقت طبول الربيع العربي، وحينها كانت الماكينة الإعلامية الأمريكية تبشر بنشر الديمقراطية بين المجتمعات العربية، هذه التجربة الفاشلة والمريرة ربما أنتجت دروسا مهمة لدى الرئيس القادم حول مستقبل الفكر الديمقراطي، فالشعوب التي تورطت في وحل الربيع العربي مستبشرة بخطاب الديمقراطية هي تكفر اليوم بها بعد أن فوجئت بالواقع المرير، وتجرعت ويلات التفكك والصراعات التي يمكن توصيف كينونتها في بعض الحالات باللا دولة، وفي المقابل نجد أن الدول الملكية قد نجحت في توطيد الاستقرار والرخاء لشعوبها، كونها أنظمة تتلاءم مع طبيعة الذهنية العربية، وثقافتها الزمنية وتأصل العلاقة بين الشعوب وولاة الأمر، ولا تجدي معها لعبة الديمقراطية الغربية.

كما حضر خطاب الديمقراطية بلهجة القوة الناعمة عندما روجت له الآلة الإعلامية الأمريكية ولعشرات السنين بوصفه تجربة ديمقراطية فريدة من نوعها، وسلاحا قويا يرتبط بسر التفوق الأمريكي على العالم، وقد استمر هذا الخطاب بانتصاره حتى صدم بواقع الانتخابات الأخيرة، التي ذهبت بنجاحاته مع أدراج الرياح، فالانقسامات المجتمعية الحادة ربما بلغت فجاجتها وتدنيها صورة فظيعة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ تأسيسها، أما محتواها الإعلامي فقد هبط كثيرا بالأنموذج الفريد إلى درجة لا يمكن تسويقها آنيا كقوة ناعمة للخطاب الديمقراطي كما كان الحال من قبل.

أخيرا، يبدو أن خطاب الديمقراطية كورقة سياسية لم يعد ناجعا اليوم في منطقة ملتهبة كالشرق الأوسط، نظرا للتجارب السالف ذكرها، وأن الطريق الأنسب أمام الرئيس القادم هو العودة إلى السياسة التقليدية وإقامة التحالفات الاستراتيجية مع القوى الصديقة والمتزنة كالمملكة ومصر مثلا، ولا سيما أن على طاولته ملفات جسيمة تنتظره في الداخل، كترميم الهوة المجتمعية المتفاقمة بين التطرف اليميني واليساري، إضافة إلى ملفات الخارج الملتهبة كالعلاقات الصينية والروسية والأوروبية.

@albakry1814