طلال الشريف

الهوية المؤسسية

الاحد - 28 فبراير 2021

Sun - 28 Feb 2021

الهوية المؤسسية أحد أهم عوامل نجاح المؤسسات، تعنى بكيفية إحساس العملاء تجاه المؤسسة، وهي عبارة عن العلاقة العاطفية والالتزامات الأخلاقية التي تربط بين المؤسسة والمتعاملين معها والعاملين فيها، وهي هاجس المهتمين بعمليات التطوير المؤسسي والباحثين عن ديمومة البقاء والمنافسة والمحافظة على العملاء والموظفين، يقول الكاتب المتخصص في مجال الهوية المؤسسية مورغان كليندانيل «الهوية المؤسسية التي تنجح في البقاء هي التي تجعل الحياة أفضل»، ويقول جيف بيزوس مؤسس أمازون كوم «الهوية المؤسسية تشبه سمعة الإنسان، إنك تبني السمعة عندما تقوم بعمل الأشياء الصعبة بطريقة صحيحة».

ويتطلب رسم الهوية المؤسسية براعة بنائها على رؤية طموحة يشترك في تخيلها كل المنتسبين للمؤسسة ليشعروا أنها جزء مهم من أحلامهم وتطلعاتهم ومستقبلهم، وعلى رسالة صريحة تتضمن مهمة المؤسسة ودورها وممارساتها اليومية، وعلى مجموعة من القيم ذات معنى في المجتمع ومرتبطة برسالة المؤسسة توحد ثقافتهم المؤسسية وتحفزهم على تنفيذ رسالتهم وتحقيق رؤيتهم، مع العمل على الثبات على الهوية المؤسسية والاتجاه المحدد لكسب ثقة العملاء والموظفين وتجنب الانعكاسات السلبية التي قد تحدث نتيجة لتغيير الهوية المؤسسية، والحرص على التطوير المستمر للرسالة التسويقية لهوية المؤسسة.

والهوية المؤسسية لا يرسمها قادة تقليديون أو إداريون وموظفون عاديون، هي تحتاج إلى خبراء متخصصين في تصميمها بصورة عميقة تستلهم فيها شيئا من التاريخ وتبرز فيها قوة الواقع المعاش وتستشرف المستقبل بكل متغيراته المتوقعة وغير المتوقعة، لتصل إلى المرحلة التي يتباهى العملاء والموظفين فيها بعلاقتهم بالمؤسسة وارتباطهم الروحي بها حتى مع غياب صورتها البصرية أو هويتها.

ويعتقد كثيرون أن الهوية المؤسسية هي نفسها الهوية البصرية أو السمعية أو الشعار، وهو خطأ شائع وفهم قاصر للهوية المؤسسية، فالهوية البصرية والشعار جزء من الهوية المؤسسية، والشعار جزء من الهوية البصرية. فالشعار هو الرسم الذي يشير للمؤسسة أو لأحد نشاطاتها أو منتجاتها، وهو ما يعني امتلاك المؤسسات لأكثر من شعار بحسب نشاطاتها ومنتجاتها، ويجب أن يتسم الشعار بالقوة والجاذبية وبسرعة انطباعه في ذهن المتلقي وسهولة حفظه وتذكره والمقدرة على تمييزه بسهولة وسط العديد من الشعارات الأخرى.

والهوية البصرية أشمل من الشعار، حيث يعتبر الشعار المكون الأساسي فيها بالإضافة إلى الكلمات والخطوط والألوان وغيرها من المكونات البصرية التي تحتاجها المؤسسة. والهوية السمعية أو الحركية تتمثل في القنوات التلفزيونية الخاصة بالمؤسسة وأعمال الفيديو والموشن جرافيك وغيرها من الوسائل السمعية الحديثة. وأما الهوية المؤسسية فهي مزيج وانعكاس لكل ما تقوم به المؤسسة، ويشمل الشعار والهوية البصرية والسمعية والرؤية والرسالة والقيم والبرامج والمنتجات والنظم الأخلاقية وسمعة المؤسسة وكفاءتها وفاعليتها ونمط علاقتها بالعملاء والمجتمع والنشاطات التسويقية في مختلف وسائل التواصل.

وكثير من المسؤولين، خاصة الحكوميين، يعتقدون أن الهوية المؤسسية مجرد شعار بلا روح على واجهات مؤسساتهم ومطبوعاتهم وبطاقات تعريف موظفيهم وإعلانات خدماتهم ومناسباتهم، ويغيب عنهم أنها أعمق بكثير من ذلك الاعتقاد الشائع، وأن هوية المؤسسة أو علامتها التسويقية بصورتها ورمزيتها ودلالاتها وألوانها هي وسيلة اتصالهم وأهم عنصر في محتوى رسالتهم مع موظفيهم وعملاءهم، وهي مجموعة التصورات والانطباعات التي تتشكل حول مؤسساتهم، وأبعد من ذلك، فالهوية المؤسسية الجاذبة والمميزة شكلا ومضمونا تعكس سمعة وسياسات الجهة التي ترتبط بها وتعزز من مكانتها ومستوى تأثيرها.

وأعتقد جازما بأن قطاعاتنا الحكومية عامة والجامعات خاصة بحاجة ماسة إلى إعادة رسم هويتها المؤسسية وتغيير صورتها الذهنية والخروج من دائرة الاستنساخ والتقليد والمحاكاة إلى دوائر الإبداع والتميز في رسم تلك الهوية لتحقيق التفرد والتميز في أداء رسالتها وخدمة مجتمعها والمستفيدين من خدماتها، والمنافسة الحقيقية في ميادين العلوم والمعارف على المستويين المحلي والدولي.