أحمد الهلالي

أحلام مصلح على حرف الهدا!

الثلاثاء - 23 فبراير 2021

Tue - 23 Feb 2021

كي تستمتع بالشتاء في الطائف، فلا تفوت ارتجاف جسدك، وطقطقة فكيك، وهذا ما فعلته حين جلست على حرف (الهدا)، وبينما لفلفت فروتي لأستعيد الدفء، مستمتعا بالمنظر الواسع للأودية والشعاب المغذية لوادي نَعمان، شعرت بحصاة صغيرة ترتطم بظهري، التفتُ فكان الشاب السبعيني (مصلح) يرتدي طبقات من الملابس و(بسطارا) عسكريا، ويضحك والبخار يخرج من تفريق أسنانه كدخان سيارة (مبوشة)، جلس إلى جواري وقال: أشعر أنك تبحث عن موضوع لمقالتك القادمة، وسأعطيك موضوعا ثم صنع دائرة بالإبهام والسبابة ورفع الثلاثة الباقية، لكن بشرط أن نتقاسم مكافأة المقالة.

فقلت: مكافأة!! تحدث، ما الموضوع؟ قال: المهم المبلغ، فضحكت وتشاغلت بمنظر سحابة تمر من تحتنا.

قال: يا بخيل، تترك موضوع مصلح من أجل مكافأة؟ قلت: خذها كلها بس هات الموضوع؟ قال: هذا المكان هو الموضوع، يا صديقي مرت علينا حقبة، دأب المتنفذون على امتلاك كل شيء، ألا تذكر كيف كانت معظم شواطئ جدة محجوبة بالمباني، ثم انظر هنا كيف استولى المتنفذون على المطلات والقمم فلم يبق لنا إلا فرجة أو فرجتين لنشاهد هذا السحر من هذه القمم العالية، واقترب من أذني وهمس كلاما طيّر البرد من أوصالي، فقمت وابتعدت عنه.

لحق بي وقال: يا (خواف) أنت في عصر الحزم والعزم، وضحك مستطردا: تخيل لو أن كل هذا الجرف أصبح شاطئا سحابيا يطل منه الجميع على هذه الفتنة؟ بربك، ألا تحزن من مشاهد العائلات والشباب تحت الكباري وبجوار الطريق الرئيسي، تتبخر متعتهم في مراقبة أطفالهم وزجرهم عن الاقتراب من الشارع، فماذا لو وضعت المواقف أسفل الجرف وجهزت ممرات للمشاة إلى قمته ومصاعد لكبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وجلسات للعوائل مزودة بمناظير لتقريب البعيد، ومنصة للطيران الشراعي، واستمتع الناس في عروس المصايف بإطلالة العمر!

فتح جواله، وشغل موسيقا (ناي حزين)، ثم (غوّف) بعينيه وأطال النظر إليّ وقال: أرجوك اكتب، أرجوك، فأنا على ثقة أن القائمين على الرؤية في هذا العهد السلماني الميمون سيهتمون له كثيرا، اكتب فقط، لن أطلب منك مكافأة، فالصحيفة لا تعطيك شيئا، مكافأتي هي تحقيق حلم الاستمتاع بشبابي، متجولا على امتداد الجرف، لا أصطدم بحواجز ولا شبوك ولا فلل ولا أسوار قصور ممتدة، أتظلل أشجار الفيكس والسرو والحماط، وأحرك الإدرينالين في جسدي على إحدى المراجيح العملاقة التي تقذف بي بعيدا في الهواء، ثم أرى برج الساعة والبحر ونافورة جدة بالمنظار من هنا، وأمتع عينيّ بالنجوم، وستسعدني كثيرا رؤية الأسر مطمئنة على سلامة أطفالها، ثم أوقف الناي، ومسح عينيه!

وعدته بالكتابة، وحين سرت لحق بي، أرجوك كن (قد الوعد) ولا تنس أن تضيف (الشفا) فهي كأختها الهدا، حتى قمة جبل (دكا) سورتها إحدى شركات الاتصالات من كل جهاتها وليس بداخلها إلا برج يفترض أنه أنشئ بكيفية ذكية مبتكرة تضيف إلى المشهد، ولا تحرم السواح تلك القمة المطلة، فوعدته مرة أخرى ومضيت، وما زلت أفكر هل أكتب أم لا؟!

ahmad_helali@