طلال الشريف

وكالة للمناهج الدراسية في الجامعات

الاثنين - 01 فبراير 2021

Mon - 01 Feb 2021

حتى الساعة لا تحظى مناهجنا الدراسية في الجامعات بالاهتمام اللازم من حيث آلية بنائها ومحتواها، ما يؤخر - وبكل صراحة - مسيرة تطور مستوى الطلاب وتنمية شخصياتهم في أبعادها المختلفة، فالمنهج الجامعي بمعناه الواسع مفقود، والجامعات في الواقع الراهن تقوم من خلال الأقسام العلمية بتوفير توصيف للمقرر الجامعي لكل مقرر في عدد من الأوراق يتضمن وصفا للمقرر وأهدافه ومخرجات التعلم والموضوعات ووسائل التعلم والتعليم والتقويم والمرجع الأساسي للمقرر وعدد من المراجع المساندة.كذلك تطلب بعض جامعاتنا من عضو هيئة التدريس إعداد خطة لتدريس المقرر لا تختلف في متطلباتها ومضمونها العام عما جاء في توصيف المقرر، وتطلب منه تقريرا عن المقرر الدراسي نهاية كل فصل دراسي كجزء من متطلبات الجودة والاعتماد الأكاديمي.

وتطلب الجامعات من أقسامها العلمية توصيف للبرامج الأكاديمية التي تنفذها، ويترك بعد ذلك لعضو هيئة التدريس تنفيذ هذه المتطلبات المتناثرة، فيواجه تحديات كبيرة جدا في عملية التنفيذ في ما يخص المناهج الجامعية، أبرزها عدم توفر المرجع الرئيس للمقرر الجامعي، أو قدم المرجع الرئيس للمقرر، أو عدم قناعة عضو هيئة التدريس بمحتوى المرجع الرئيس المعتمد في توصيف المقرر، أو عدم كفاية المرجع الرئيس للمقرر والمراجع المساندة، وغيرها كثير.

ولذا تأتي أهمية تطوير المناهج الجامعية لدواع كثيرة، منها على سبيل المثال: ركود المناهج الجامعية وثباتها في ظل التقدم العلمي وتراكم المعرفة بشكل سريع، وتشعبها وشيوع التخصصات العلمية الدقيقة، وعدم إشباع احتياجات المتعلمين، وانفصالها كليا عن النزر اليسير من متطلبات واحتياجات سوق العمل، وضعف مستوى المنافسة في التصنيفات الدولية للجامعات، وغياب الاعتماد المؤسسي والبرامجي في كثير من الجامعات، والنقل الحرفي للمقررات الجامعية التي تعدها الجامعات «قص ولصق».

فضلا عن المخالفات للملكية الفكرية والأمانة العلمية، بإقرار بعض الكتب والمراجع دون إذن مؤلفيها، وغياب التخطيط الاستراتيجي والإدارة المستقلة أو الوكالة المختصة في بناء المناهج الجامعية، وضعف مستوى بعص الأساتذة الجامعيين في بناء توصيفات المقررات وحسن اختيار المراجع العلمية المناسبة لاسم المقرر وأهدافه.

وعدم التعامل مع بناء المناهج كعلم له نظرياته وأصوله والمختصون والخبراء فيه، وتكييف المناهج مع مستوى الطلاب وليس مع ما ينبغي أن يكون عليه المنهج الجامعي، وعدم توافق ومواكبة المناهج الجامعية للتطورات التقنية والمعلوماتية، وانتشار الملازم والملخصات وقلة الاعتماد على المراجع الأساسية والمساندة المعتمدة في توصيف المقررات الجامعية.

إن واقع المناهج الجامعية لا يتناسب إطلاقا مع توجهنا نحو تطوير الجامعات ومنحها الاستقلالية وتنافسيتها على المستويين المحلي والدولي، ولا مع احتياجات مجتمعنا ومتطلبات سوق العمل، ولا مع طبيعة العصر المتسم بالتغير المعرفي السريع، وآن لنا وعلى وجه السرعة التغيير الجذري لمناهجنا في الجامعات.

ولنبدأ بالإدارة باعتبارها العنصر الأهم في نجاح أي عمل، من خلال استحداث وكالة مستقلة للمناهج في الجامعات، مهمتها الأساسية بناء المناهج الجامعية برؤية عصرية وبمنظور المناهج الواسع، ويبقى لوكالات الجامعات للشؤون التعليمية مسؤولية إدارة العملية التعليمية في الجامعات ولوكالات الجودة في الجامعات تطبيق معايير الجودة والاعتماد.

ثم تبني استراتيجية واضحة المعالم لتطوير المناهج الجامعية تحقق الأهداف المجتمعية المرجوة وتواكب التسارع العلمي، وإقرار الكتاب الجامعي للمقرر وتوفيره كمرجع متكامل بمفهوم المنهج الواسع وفق الطرق العلمية المعتبرة، وبما يضمن جمع المتطلبات المتناثرة على مستوى الجامعات وهيئات الاعتماد المحلية، وربط المناهج الجامعية بواقع المجتمع واحتياجات سوق العمل.

وإشراك المتخصصين في فرق عمل تطوير المناهج الجامعية على مستوى الأقسام، خاصة التربويين في تخصصات المناهج وطرق التدريس والإدارة التربوية وعلم النفس، والاستفادة من تجارب الجامعات العالمية المرموقة في آليات بناء المناهج ومحتواها كإطار مرجعي، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة التباين الثقافي والاجتماعي، ومراعاة الفجوة المعرفية بين محتوى المقررات في التعليم العام والتعليم الجامعي بما يكفل التكامل والترابط المعرفي.

أعلم أن هذا العمل كبير وشاق، ولكنه خيار استراتيجي ضروري لإحداث التغيير النوعي في تطور جامعاتنا والارتقاء بمستوى مخرجاتنا التعليمية، وجامعاتنا قادرة على تحقيق ذلك متى ما أدركت خطورة استمرار وضع المناهج الجامعية كما هو عليه الآن، وعملت بشكل سريع على استحداث وكالة الجامعة للمناهج لتتولى إدارة هذا المشروع الوطني من خلال الأقسام العلمية، مع توفير الموارد الكافية وتهيئة الظروف البيئية للانطلاق في مشروع تطوير المناهج الجامعية.

drAlshreefTalal@