شاكر أبوطالب

وزارة الإعلام ومسؤولية أزمة المؤسسات الصحفية!

الاحد - 31 يناير 2021

Sun - 31 Jan 2021

أثارت آراء الدكتور عبدالعزيز خوجة بشأن المؤسسات الصحفية السعودية، في برنامج «السطر الأوسط»، نقاشا في الوسط الإعلامي، وتحديدا المشهد الصحفي، حول موت المؤسسات الصحفية وانتهاء دورها، واقتراح إغلاقها واستبدالها بشركات إعلامية خاصة أو مساهمة لتقديم خدمات ومنتجات رقمية أو مرئية أو سينمائية.

وتوالت الردود والتعليقات من رؤساء تحرير وكتاب رأي وصحفيين، معظمها كانت آراء مخالفة لما طرحه الدكتور خوجة، الوزير السابع في تاريخ وزارة الإعلام، من 2009م إلى 2014م، ووكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية خلال الفترة (1976م - 1985م).

ولا يخفى على المتابع للشأن الإعلامي الحالة الواهنة التي بلغتها المؤسسات الصحفية، نتيجة التراجع الحاد جدا في الإيرادات الإعلانية وأرقام الاشتراكات والتوزيع للصحف الورقية، وتضخم نسبة العجز وحجم الديون، وتراكم الرواتب المتأخرة، وتسرب العاملين إلى القطاعين الحكومي والخاص، وباتت المؤسسات الصحفية تواجه أزمة مالية صعبة ومعقدة، وتدور في أزمة مغلقة ومستمرة تهدد وجودها واستمرارها.

ورغم عدم إعفاء المؤسسات الصحفية من مسؤولية الواقع المتأزم الذي تعيشه الصحافة السعودية المؤسسية، إلا أن المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق وزارة الإعلام، التي لم تحسن التعامل مع ملف المؤسسات الصحفية، ولم تتمكن من إدارة أزمة الصحف الورقية بالوعي اللازم، ولم تتفاعل بصورة كافية مع تحديات مهنة الصحافة، القاعدة الأساسية لصناعة الإعلام، وبيئة العمل الأولى لتأهيل وتدريب وتطوير القوة البشرية العاملة في مختلف التخصصات الإعلامية.

في رأيي أن الأزمة التي تواجهها المؤسسات الصحفية تعود إلى سببين جوهريين، الأول يتمثل في عدم اهتمام وزارة الإعلام بالمؤسسات الصحفية، بخلاف الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء وغيرها من المجالات المكونة لقطاع الإعلام في المملكة، وأبرز مؤشرات ذلك هو مخرجات إعادة هيكلة الوزارة في الفترة الماضية، حيث تأسست هيئة للإعلام المرئي والمسموع، وهيئة للإذاعة والتلفزيون، وتحويل وكالة الأنباء السعودية إلى هيئة.

ورغم خروج هذه الهيئات الإعلامية الثلاث واستقلالها، وتخفف وزارة الإعلام من جزء كبير من المهام الإدارية والإشرافية التي كانت ترهق هيكلها التنظيمي، وتضعف من جودة أدائها، وبالتالي أصبح أداء الوزارة مركزا في مجالات محدودة، استمرت حالة التجاهل لملف المؤسسات الصحفية.

ويكاد محتوى الموقع الإلكتروني لوزارة الإعلام يخلو من أي إشارة للصحافة ومؤسساتها، وجل تركيز الوزارة موجه للإعلام المرئي والمسموع، وكأن الصحافة لا علاقة لها أو صلة بالإعلام، وكأن المؤسسات الصحفية ليست جزءا أصيلا في المنظومة الإعلامية، وآخر تجليات ذلك يتضح في المجالات التي حددتها الوزارة لنطاق عملها ونشرتها في موقعها الإلكتروني الرسمي!

والسبب الآخر في استمرار أزمة المؤسسات الصحفية يعود إلى غياب الاستراتيجية لوزارة الإعلام على مدى عقود، واستمر هذا الحال حتى بعد الإعلان عن رؤية 2030م، وانطلاق برامجها وجني بعض ثمارها ومكتسباتها، فمعظم الوزارات السعودية تسابق الزمن منذ قرابة خمسة أعوام لتحقيق المستهدفات المنوطة بها في إطار الرؤية الوطنية، وأصبح لديها استراتيجيتها الخاصة بها المنشورة في موقعها الإلكتروني، بخلاف وزارة الإعلام التي ما زالت حتى اللحظة دون رؤية واضحة! حتى نطاق عمل الوزارة المحدد في عشرة محاور لا يمكن اعتباره أهدافا استراتيجية للإعلام أو مكونات لرؤية الوزارة، لأن تلك المحاور غير قابلة للقياس بمؤشرات أداء منضبطة بخط زمني محدد.

ما سبق يبرز حالة الرفض لأزمة المؤسسات الصحفية وعدم الاعتراف بوجودها أو ارتباطها بعمل وزارة الإعلام، وفي رأيي أن آراء الدكتور خوجة كانت وفية جدا لهذا الموقف الرافض للصحافة ومؤسساتها، الذي تبنته الوزارة طيلة السنوات الماضية، والمختبئ خلف ربحية المؤسسات الصحفية في الماضي، وبعد تراجع هذه الربحية وتحولها إلى خسارة وعجز، ظهر الأثر الذي خلفه هذا الموقف المزمن على الصحافة بوصفها مهنة وصناعة واقتصادا ومؤسسات.

لا شك أن تعاقب عدد من الوزراء على حمل حقيبة الإعلام وفي وقت وجيز دلالة على عدم رضا القيادة الرشيدة عن أداء الإعلام وإدارة الوزارة، رغم ما تحقق من إنجازات عديدة لا يمكن نفيها أو تجاهلها، ولكن تبقى الصحافة خارج أولويات الوزارة وبعيدة عن نطاق اهتمامها وعملها، وبالتالي ستستمر أزمة المؤسسات الصحفية وستزداد تعقيدا، ولا أستبعد أن تكون وزارة الإعلام تنتظر فعليا إعلان المؤسسات الصحفية إفلاسها وإيقاف تقديم خدماتها الإعلامية بصورة نهائية.

shakerabutaleb@