ماجد التميمي

قراءة نقدية لدليل المتقدم لاختبار الرخصة المهنية لمعلمي القيادة المدرسية

السبت - 23 يناير 2021

Sat - 23 Jan 2021

منذ أن بدأ الحديث عن اعتماد الاختبارات المعيارية للرخص المهنية الخاص بشاغلي الوظائف التعليمية، واعتبارها متطلبا أساسيا للحصول على الرتب المهنية الصادرة من وزارة التعليم يلاحظ الحراك الإيجابي من المعلمين أنفسهم للتطور المهني، فلم يعد سعي كثير منهم للتطور المهني مقصورا على بحثهم عما هو متاح بالقنوات الرسمية، بل ربما كان الحراك خارج المؤسسات الرسمية، ولا سيما في برامج التواصل الاجتماعي أكثر، وأصبح تطبيق تويتر على سبيل المثال للمعلمين قاعة مكبرة تحتضن ندوات وحلقات علمية مفتوحة جامعة لمعلمين من مناطق ومحافظات مختلفة طوال أيام الأسبوع وبكل الأوقات. وهذا الحراك والتطور المهني لا شك أنه سيؤثر على أداء المعلمين وسيجعل التعليم المستمر سمة للمعلمين تزداد معها معارفهم وخبراتهم، مما سينعكس إيجابيا على تحصيل الطلاب الأكاديمي.

ونشرت هيئة تقويم التعليم والتدريب بموقعها الرسمي معايير التخصصات التعليمية ونماذج من أسئلة اختبار الرخصة المعيارية. فوجود معايير للتخصصات التعليمية يوجد إطارا فكريا مشتركا وواضحا يبنى عليه الاختبار، ويكون مرشدا للمستفيدين من هذا الاختبار، سواء الجهات التوظيفية أو الباحثين عن وظيفة، عن معنى الدرجة التي يتحصل عليها المُختبِر في الاختبار، وإذا ما كان المُختبِر يحمل نفس الاتجاهات والمهارات التي تبحث عنها الجهة الموظِفة أم لا.

وتسهل أيضا تلك الاختبارات المعيارية بالفرز من بين المتقدمين لاختيار الأنسب لها وما يلبي أهداف واتجاهات المؤسسة الموظفة. وعند بناء الاختبارات على معايير وبإطار فكري مشترك يمكن أيضا أن يُحدَد ما الإجابة الصحيحة أو الخاطئة، خاصة في العلوم التربوية، لأنه ليس هناك إجراء صحيح أو خاطئ بذاته. فما يحدد صحة الإجابة من خطئها هي المعايير التي بنيت عليها تلك الاختبارات والمشتقة من الفلسفة أو الاتجاهات التي تتبناها الجهة المصممة للاختبار والجهات الموظفة التي تتناسب معها تلك الفلسفة والاتجاهات وترغب بمعلمين يحملون تلك المعارف (المعرفة مراتب أقلها الحفظ والاستذكار) والاتجاهات المرادة، بناء على فلسفة الجهة التعليمية الموظفة ليشغلوا وظائفها ويساعدوا بتحقيق أهدافها التعليمية والتربوية. ولكي تحقق تلك الاختبارات الفائدة منها للمستفيدين يجب أن تتمتع بالصدق، بمعنى أن يقيس الاختبار الغرض الذي من أجله صمم الاختبار.

بالنظر لنماذج الأسئلة المعدة لتخصص القيادة المدرسية التي تم نشرها من قبل هيئة تقويم التعليم والتدريب، ومقارنتها بالمعايير المرفقة، أجد أن هناك اختلافا بين المعرفة المراد قياسها وبين المعرفة اللازمة للوظيفة والمحددة من خلال المعايير. بعبارة أخرى: إن من يجيب عن الاختبار بشكل صحيح (وفق نظر المصحح أو الجهة المُختَبِرة) لا يعني أنه يتمتع بالمعارف اللازمة لتحقيق المعايير. فكما ذكر في محتوى المعايير التخصصية لقائد المدرسة بأن المعايير المهنية تتناول «ما ينبغي على قائد المدرسة معرفته والقدرة على أدائه في مجال عمله.. وتركز المعايير المهنية لقادة المدارس على قيادة المدرسة بطريقة احترافية وبناء قواعد سليمة يتم من خلالها تحقيق معايير تتوافق مع المعايير الدولية.. كما أن هذه المعايير لم تهمل السمات الخاصة اللازمة لقادة المدارس».

فمن الأسئلة الواردة بالنموذج:

-الثقة المتبادلة، والعمل بروح الفريق الواحد، هما أساس العلاقة بين المعلم وزملائه، وبين المعلم والقيادة المدرسية.

النص السابق ينتمي في ميثاق أخلاقيات المهنة إلى المادة:

• الرابعة (المعلم وأداؤه المهني).

• الخامسة (المعلم وطلابه).

• السادسة (المعلم والمجتمع المحلي).

• السابعة (المعلم والمجتمع المدرسي).

هذا السؤال كما ورد في الدليل تحت معيار «تجسيد أخلاقيات مهنة التعليم في الممارسات المهنية». بخلاف بديهية الإجابة عن هذا السؤال، ماذا يفيد معرفة بأي مادة يوجد هذا النص؟ وهل الإجابة عن هذا السؤال بشكل صحيح تشير إلى أن المختبر لديه التزام بأخلاقيات المهنة سلوكا وعملا أو اتجاهات إيجابية نحو الالتزام بأخلاقيات المهنة سلوكا وعملا؟ هل هذا السؤال أو ما شابهه من أسئلة تعتمد على الحفظ والتذكر تفصح عن مهارات أو اتجاهات لدى المختبر وتعين الجهة الموظفة على معرفة ما عند القائد المدرسي المختبر من مهارات أوسمات أو على الأقل ما يحمله من اتجاهات نحوها. فالقائد المدرسي المراد كما ورد في المعايير يتمتع بمهارات قيادية وليست مهارات بالحفظ والاستذكار.

سؤال آخر تحت معيار «تفعيل استخدام الوسائل والتقنيات التعليمية في البيئة المدرسية»، الذي مؤشره «يوظف التقنية الحديثة لتيسير التواصل الفعال بين منسوبي المدرسة.

• يعرض في المدرسة مجموعة من الحقائق والمعلومات المنظمة بشكل يعطي صورة حقيقية أو واقعية عن شيء ما، أو وضع معين لشخص أو لعدة أشخاص، بأساليب تختلف باختلاف الهدف منها، أو الموضوع الذي تعالجه وهذه تعد أحد أنواع وسائل التواصل الاجتماعي، وهي؟

• المقابلات الشخصية.

• التقارير.

• الاجتماعات.

• المنشورات الدورية.

هذا السؤال بعبارة أخرى يقول: ما تعريف التقارير؟ بمعنى أنه سؤال يعتمد على الحفظ والاستذكار. ولا أدري كيف أن مثل هذا السؤال يقيس إذا كان للمجيب ميول أو اتجاهات لتوظيف التقنية أو معرفة للقيام بكتابة تقارير أو من قدرته على مراجعة التقارير الصادرة من مدرسته، والتأكد من احتوائها على العناصر الواردة بالتعريف.

وفي سؤال آخر من النموذج يغيب عنه الموضوعية، أي إن صحة الإجابة خاضعة للمرجع الذي يرجع له المصحح، وهو خارج عن الإطار الفكري أو الاتفاقية التي بين المختبر والمختبر والجهة الموظفة المحددة بالمعايير، وبعيدا عن المصداقية، أي مرة أخرى السؤال لا يقيس ما يراد قياسه.

فعندما يكون السؤال يقول:

• أي الآتي يسهم في تخفيض العمل غير المنتج إلى أدنى حد؟

• التوجيه.

• التنظيم.

• التخطيط.

• التقويم.

فترجيح أهمية مهارة على مهارة أو سلوك على سلوك بشكل عام كما هو في هذا السؤال يكون مقبولا ومعتبرا، ولا سيما إذا كان صادرا من هيئة تقويمية للتعليم إذا كان فعلا مبنيا على بحوث علمية رصينة اختبرت فيها حجم تأثير تلك العوامل أو المهارات على الإنتاجية مع ضبط تأثير العوامل الأخرى المؤثرة على الإنتاجية. وأيضا تم احتساب تأثير الأثر المباشر وغير المباشر من كل عنصر من هذه العناصر على الآخر ومن ثم على الإنتاجية. أي إنه تم قياس أثر التقويم على الإنتاجية المباشر وغير المباشر من خلال التخطيط وأصبح مجموع نسبة تأثيرها فعليا على الإنتاجية أقل من نسبة تأثير التخطيط المباشرة وغير المباشرة على الإنتاجية. وبعيدا عن الجانب البحثي، ماذا تفيد معرفة إجابة أيهم الأهم إذا كانت الجهة الموظفة ترغب بأن يتمتع القائد بتلك المهارات جميعا. ترجيح أهمية مهارة على أخرى يفيد عمليا في ترتيب الأولويات عند اضطرار القائد لترتيب أولوياته والتمييز بين المهم والأهم في المهام. فهل يمكن في مثل هذا السؤال السابق تطبيقيا وعمليا ترتيبا للأولويات؟ أم إن كل عامل يكمل الآخر والعملية بينها عملية دائرية، أي كل يؤثر في الآخر.

ملاحظة: تم التقديم لهذه الأسئلة في دليل المعايير بالنص على أن الأسئلة في هذا النموذج متنوعة في مستويات المعرفة ما بين مستوى التذكر والتطبيق والتفكير.

أخيرا الجهة الرئيسية المستفيدة من هذا الاختبار هي وزارة التعليم، ومن الطبيعي أن الاختبار المعتمد لديها للفرز والتمييز بين المعلمين يقوم على معايير متفقة مع توجهاتها وبرامجها لكي يدعموا تنفيذها، لا أن ينظروا إلى أنها برامج غير مناسبة فلا تنفذ بشكل جيد لغياب الدافعية. في السؤال التالي يتضح إلى أي مدى فلسفة وتوجهات الجهة المختبرة متفقة مع توجهات وسياسات الجهة الموظفة.

• أي العبارات الآتية لا تنتمي لأسس بناء مجتمعات المعرفة؟

• حرية التعبير.

• تعميم الانتفاع بالمعلومات والمعارف.

• احترام التنوع الثقافي واللغوي.

• توفير التعليم الجيد للمتميزين .

قد يعلل البعض بأننا في مرحلة البناء والتأسيس، وسيتلافى القصور إن كان هناك قصور في الاختبارات القادمة، لكن البداية باختبارات بمثل هذه السلبيات (إذا كانت فعليا كانت هذه الملاحظات في محلها) ضررها قد يكون أكثر من ضرر عدم وجود هذه الاختبارات، حتى وإن أُخِر تأثير الدرجة المحصلة من هذا الاختبار على علاوة المعلم أو أي امتيازات أخرى من هذا الاختبار لسنوات عدة. لأن وجود اختبار لا يتسم بالمصداقية أو بأن يكون صادقا فقط بقياس أقل أنواع المعرفة في القيادة المدرسة لا يضلل الجهة الموظفة فحسب، بل يضلل القائد المميز في حالة عدم اجتيازه للاختبار، فبدلا من أن يطور نفسه بالمهارات التي كان مميزا فيها وتتطلبها الوظيفة، وبسبب أن الاختبار قاس جوانب غير مهمة للوظيفة نفسها، صرف اهتمامه في تطوير نفسه على جوانب يتطلبها الاختبار من حفظ واستذكار ولا تتطلبها الوظيفة.

صحيح أن الحفظ والاستذكار ضروريان لما بعدهما من مهارات، لكن ليس حفظ ترتيب خطوات أو اسم صاحب النظرية من دون ما تعنيه النظرية نفسها. فحفظ هذه الأمور ليس متطلبا للانتقال لمستويات المعرفة الأعلى. وخير من البداية من الصفر هو الاستفادة من تجارب من سبقنا من المؤسسات الدولية في اختبارات الرخص المهنية. وللقراءة النقدية تتمة في مقالة أخرى بالمقارنة بتجربة أخرى دولية قد تكون بها حلول.

@majed233