طلال الشريف

المحاذاة الاستراتيجية

الاثنين - 18 يناير 2021

Mon - 18 Jan 2021

تبدو الحاجة ملحة في قطاعاتنا الحكومية لفهم مضمون المحاذاة الاستراتيجية، في ظل وجود الخطط الاستراتيجية لتلك القطاعات العامة لكيلا تتحول الخطط الاستراتيجية إلى عبء على القطاعات الحكومية وقياداتها، بسبب الفشل في تنفيذها بالشكل المطلوب.والمحاذاة الاستراتيجية هي ربط الأهداف الاستراتيجية للقطاع بكل وظيفة ونشاط في القطاع.

وبتعزيز كل نشاط للنشاطات الأخرى في صورة متبادلة، وبتطبيق الاستراتيجيات بالشكل المناسب وفي الوقت المحدد، وبالاتساق مع الخطة الاستراتيجية من خلال توحيد الجهود نحو تحقيق الأهداف والعمل بروح الفريق والمواءمة بين أهداف العاملين وأهداف القطاعات، والتكامل بين الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية والاستخدام الأفضل للموارد، وهي مهارة إدارية وقيادية تتمثل في بناء العلاقة المتبادلة القوية بين استراتيجية القطاعات والإجراءات التنفيذية لها، بما يسهل عملية الربط بين الخطة الاستراتيجية وما تملكه القطاعات من موارد وخبرات.

ومنبع تلك الحاجة ضعف معظم محاولات تنفيذ الاستراتيجيات رغم كفاءة وتميز القيادات في عمليات التخطيط الاستراتيجي، ما يؤدي إلى إحباطهم من مستوى تطبيق الاستراتيجيات، والعودة إلى ممارسات المربع التقليدي للقادة القائمة على تسيير الأعمال اليومية واستقبال التقارير الصورية، وتزيين صورة المؤسسة إعلاميا بعرض خططها الاستراتيجية وإنجازاتها العادية.

ويعزو كثير من المهتمين بالاستراتيجيات أسباب فشل تنفيذ الاستراتيجيات إلى ضعف وقصور في تحديد الأهداف الاستراتيجية ووضوحها وقابلية قياسها وتحقيقها، وغياب التوازن بين الأهداف الاستراتيجية ووسائل تحقيقها، وضعف مشاركة القيادات العليا بصورة مناسبة في عمليات التنفيذ، وعدم تأهيل العاملين في مجال التخطيط الاستراتيجي ومتطلباته وعدم إشراكهم في صياغة الاستراتيجيات، وعدم ملاءمة الهياكل التنظيمية الرسمية للتنفيذ، وضعف الوعي بالتبدل السريع في بيئة الأعمال وتغير الظروف، والاهتمام بالمشكلات الروتينية الطارئة، وضعف طرق معالجة مقاومة التغيير، وضعف الموازنات المالية المخصصة للتنفيذ مع عدم الكفاءة في استخدامها، والاعتماد على بعض المكاتب الاستشارية الأجنبية والخبراء الأجانب الباحثة عن الربحية بالدرجة الأولى، خبراء أجانب، وضعف نظم الحوكمة والمحاسبية.

وفوق كل ذلك فإن معظم القادة يفتقدون للإطار العملي الذي يساعدهم في مرحلة التنفيذ الفعلي لتطبيق استراتيجياتهم، ويكتفون بمتابعة التنفيذ من مكاتبهم أو بالاعتماد على من ينوبون عنهم من المرؤوسين، في غياب تام عن معرفة أدوارهم الحقيقية والمهمة في عملية التنفيذ الاستراتيجي والتحديات التي تواجهها.

ولكي نحسن من عمليات التنفيذ الاستراتيجي ونقلل من فشل تنفيذ الخطط الاستراتيجية، يجب على كل العاملين في القطاعات الحكومية طرح تساؤل أساسي ومهم على أنفسهم، هو: هل ما نقوم به من أعمال يومية، أيا كان نوعها وطبيعتها أو مستواها، يساهم في تحقيق الرؤية والأهداف الاستراتيجية لقطاعنا؟ فإذا كانت الإجابة (نعم) فقد تحققت المحاذاة الاستراتيجية والانسجام الاستراتيجي، ويجب تعزيزها والمحافظة على استدامتها.

وأما إذا كانت الإجابة (لا) فيجب إعادة النظر في العمل الذي نقوم به، وهذا يعني إعادة بناء وتصميم الخريطة الاستراتيجية للقطاع ككل، بما يحقق المحاذاة الاستراتيجية بين الأصول الملموسة وغير الملموسة، ويضمن ربط الأهداف الاستراتيجية بوظائف وأنشطة القطاع والدعم المتبادل بين الأنشطة لتحقيق الغايات المثلى للقطاع، واحتواء الخريطة الاستراتيجية على البرامج التي تقود التغييرات المطلوبة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، مع التركيز الأكبر على الأصول غير الملموسة.

وقد جاء في كتابات (كابلن ونورتن) المبنية على نتائج عدد من الدراسات أن 75% من القيمة التي تحققها المؤسسات تأتي من الأصول غير الملموسة وهي الأصول البشرية ممثلة في رأس المال البشري، بما يمتلكه من مهارات ومواهب ومعارف وقدرات، والأصول المعرفية ممثلة برأس المال المعرفي بما يحويه من نظم المعلومات وقواعد البيانات والشبكات والبنى التحتية للتكنولوجيا.

والأصول التنظيمية ممثلة برأس المال التنظيمي وما يتضمنه من الثقافة التنظيمية وفرق العمل وإدارة المعرفة والقيادة والعاملين والمحاذاة الاستراتيجية، كما يعني إعادة النظر في الأعمال التي نقوم بها ضرورة وضع خطة لإدارة وقياس الأداء الاستراتيجي تشمل بناء المعايير الدقيقة والواقعية ومؤشرات قياسها على مستوى الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية وتشجيع الموظفين على المراقبة والمراجعة الذاتية لتحقيق المحاذاة الاستراتيجية.

وأجزم أخيرا، بأن المحاذاة الاستراتيجية تزداد أهميتها في القطاعات الحكومية عن القطاعات الخاصة لضخامة الأهداف وغموضها وتداخلها في أحايين كثيرة مع أهداف القطاعات الأخرى، وعدم استقلالية القرار الإداري والقيادي بحكم ارتباطه بمستويات أعلى، مما يجعلها عرضة لفقدان توجهها الاستراتيجي وتحقيق غاياتها النهائية، وتبقى المحاذاة الاستراتيجية الخيار المناسب لزيادة فرص نجاح تنفيذ الاستراتيجيات وتقليص الفجوة بين عمليات التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ.

drAlshreefTalal@