زيد الفضيل

الترامبية في مواجهة الدستور الأمريكي

السبت - 16 يناير 2021

Sat - 16 Jan 2021

شغلت أحداث الانتخابات الأمريكية العالم، فالولايات المتحدة ليست كغيرها، إذ لا توازيها بمقياس المادة أي قوة حتى اليوم، سواء على صعيد الدول أو حتى التكتلات والأحلاف الدولية، فهي قوة مهيمنة بحجم اقتصادها المهول، وقدرتها التقنية العالية، ونظامها العسكري القوي، وسلطتها السياسية الطاغية، وكل ذلك بارز بالرغم من أنها لا تتحرك بكامل طاقتها المهولة وإنما بنسبة منها، إذ يتعذر عليها هي ذاتها أن تستفيد من كامل طاقتها وقوتها الاستراتيجية كما يدرك الخبراء.

على أن أهم ما يسند تلك الطاقة والقوة في ذاتها وأمام العالم كان ولا يزال متمركزا في جوهر عدالة دستورها بالحد البشري المقبول، إذ يعكس مضمونه شيئا واسعا من منظومة القيم الإنسانية على الصعيد العدلي، وهي القيمة الأهم لتماسك ونهضة ونماء أي مجتمع.

وفي هذا فقد نص الدستور الأمريكي على مرجعية الشعب في مختلف الأحكام والمبادئ، فكان مبتدأ القول فيه «نحن شعب الولايات المتحدة، ورغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالا، وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الخير العام، وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية»، ثم أقر الآباء المؤسسون في فقرته الأولى من مادته الأولى مرجعية الكونغرس المؤلف من مجلس الشيوخ ومجلس النواب في جميع السلطات التشريعية، كما بينوا بوضوح في فقرته الثانية شروط المترشح لمجلس النيابة بالنص قولا «لا يصبح أي شخص نائبا ما لم يكن قد بلغ الخامسة والعشرين، وما لم تكن مضت عليه سبع سنوات وهو من مواطني الولايات المتحدة، وما لم يكن لدى انتخابه من سكان الولاية التي يتم اختياره فيها»، كما نص الدستور في فقرته الثالثة من ذات المادة بالقول «لا يصبح أي شخص عضوا في مجلس الشيوخ ما لم يكن قد بلغ الثلاثين من العمر، وما لم تكن مضت عليه تسع سنوات وهو من مواطني الولايات المتحدة، وما لم يكن لدى انتخابه من سكان الولاية التي يتم اختياره عنها».

كذلك فقد نص التعديل الرابع عشر في فقرته الأولى على أن «جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة ومواطني الولاية التي يقيمون فيها. ولا يجوز لأية ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة. كما لا يجوز لأية ولاية أن تحرم أي شخص الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون مراعاة الإجراءات القانونية الأصولية. ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطانها المساواة في حماية القوانين»، ونص التعديل الخامس عشر في فقرته الأولى على منح الزنوج حق الانتخاب بالقول «لا يجوز للولايات المتحدة ولا لأية ولاية منها حرمان مواطني الولايات المتحدة حقهم في الانتخاب، أو الانتقاص من هذا الحق بسبب العرق أو اللون أو حالة رق سابقة».

كان ذلك بعض ما ذكر في الدستور الأمريكي، واللافت في الأمر أن تلك الحقوق الممنوحة بالتساوي لكل مواطني الولايات المتحدة لم يكن ليستفيد منها ولفترة طويلة سوى المنتمين للعرق الأبيض، الذين تشكل في وعيهم الذاتي أن جينهم مختلف عن غيرهم من الأعراق الأخرى، وأن طبقتهم متميزة عن غيرها، وظل ذلك سائدا في اللاشعور حتى الثلث الأخير من القرن العشرين المنصرم، حيث وضح ازدياد مواطني الولايات المتحدة من أعراق متنوعة من خارج العرق الأبيض والأسود، وتعمقت حالة التزاوج بينها، لينتج عن ذلك طبقة أمريكية جديدة، لا تنتمي لجين العرق الأبيض أو الأسود بالكلية، وإنما هي هجين من هذا وذاك ومن غيرها من الأعراق، وقد اصطلح على تسميتها بطبقة «الملونين» التي تنتمي إليها نائبة الرئيس حاليا كامالا هاريس المولودة لأب من جامايكا وأم هندية.

على أن هذا التغير الجوهري لم يكن ليرضي غرور أولئك المتعصبين لعرقهم الأبيض، الذين عبر عن رغباتهم وأفكارهم الرئيس ترمب خلال خطبه وتغريداته، فكان أول رئيس دستوري يناهض مواد الدستور الأمريكي عمليا، ويتحدث ليس بوصفه رئيسا دستوريا للشعب بكل أطيافه وأعراقه وألوانه، بل بوصفه رئيسا لحركة عرقية ركبت قواعد الحزب الجمهوري لتحقق مرادها، وهو ما استفز الملونين وغيرهم ليشاركوا بفاعلية في انتخاب من يرونه أصلح لهم، وكان ما أرادوا.

والسؤال: هل ستصارع الترامبية العرقية لتحقيق مكاسبها حتى لو أدى ذلك إلى كسر كل القواعد الدستورية، كما حدث في الهجوم على مبنى الكابيتول، ومن ثم يمكن أن تثير شغبا في المستقبل وتدعو إلى تفتيت الدولة؟ أم سينتصر الأمريكيون لدستورهم ودولتهم؟

zash113@