محمد الأحمدي

السباق الرئاسي الأمريكي في ميزان البراجماتية

الثلاثاء - 12 يناير 2021

Tue - 12 Jan 2021

شهد سباق مقعد الرئاسة الأمريكية منذ انتخابات أكتوبر بين الرئيس دونالد ترمب والمرشح الديمقراطي جون بايدن إثارة لوسائل الإعلام العالمية المختلفة، واحتل محتوى أعمدة الصحافة اليومية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأحاديث الناس في معظم المجتمعات، حتى أصبح جزءا مجدولا في النشرات الإعلامية طاغيا على الأزمة الصحية لعام 2020.

أتحول بكم إلى زاوية قريبة من صخب أنصار مدرج الفريقين، وهي قراءة في الفلسفة البراجماتية التي شاعت في المجتمع الأمريكي. وبعد هذه القراءة المبسطة تستطيعون فهم الصراع بين فريقي المرشحين للرئاسة الأمريكية من وجهة نظر فلسفية وليست سياسية. فمن ماسا شوستس ونيويورك وفيرمونت، ظهر تشارلز بيرس ووليم جيمس وجون ديوي الفلاسفة المؤسسون الثلاثة للبراجماتية.

رغم الاختلافات بين أشكال الفلسفة البراجماتية عند العلماء الثلاثة، إلا أنهم يتفقون في أن الواقع يفرض الحقيقة، ويكون المعنى، ويشكل الصورة الذهنية في المجتمع. فالأفكار تبقى عديمة الفائدة إلا إذا تم النظر في المكاسب العملية المباشرة أو غير المباشرة التي يحققها تطبيق الأفكار في الواقع. لا بل قد ذهب وليم جيمس إلى أبعد من ذلك بقياس صدق المعاني للأفكار بمدى ما تحققه من قيمة نفعية، حتى وإن لم تكن صادقة في مضمونها القيمي الأخلاقي.

وفي منظور جون ديوي القيم التي تمثل الفضائل في المجتمع تخضع للصلاحية العملية التي تحقق للمجتمع الحياة التي ينشدها.

فالمعيار الحقيقي لصدق الأفكار هو التنفيذ العملي لتلك الأفكار والآثار النفعية المترتبة على تنفيذها. ونستطيع القول بأن التطبيق العملي هو وجه العملة الآخر للأفكار حتى يتحدد المعنى، وإلا فلا معنى للأفكار دون تطبيق.

ففي ظل هذه الفلسفة التي ترى بأن القيم متغيرة لما يوافق النفعية المتغيرة في ذاتها عبر الزمان والأفراد تشكل الطيف السياسي الأمريكي الحديث، ونشأت القيم الأمريكية. ومن ثم تنظر البراجماتية للقيم والقواعد والأصول والقوانين وحتى النظريات على أنها مجرد أدوات تؤدي نتائج نفعية مرغوبا بها للمستفيد منها.

فمثلا الوصول إلى النجاح وتحقيق مصلحة نفعية خاصة يحدثان دون النظر في أخلاقيات الأداة التي تحقق تلك النتيجة. وهذه قمة الإهمال والتجاهل للقيم الأخلاقية التي تشكل معايير الحياة البشرية.

السباق بين المتنافسين في الحياة البراجماتية الممزوجة بالمصلحة النفعية العامة ينحي القيم جانبا من زمن إلى آخر، فقد يعيش على مفهوم الفضيلة والنزاهة في فترة لأنها تحقق له مصلحة في وقتها، ويسقطها ليستخدم الفضيحة في زمن آخر لأنها السبيل الأفضل في تحقيق الهدف والنتيجة، وذات تأثير فعال أكثر من الفضيلة في تشكيل الحقيقة لذلك المجتمع في وقته. وعلى هذا فهي حق استخدام الوسائل التي تحقق الرغبات الإنسانية دون النظر في القيم، إلا إذا حققت القيمة السبيل المؤدي إلى النتيجة المرجوة، فهنا تتحول القيمة من قيمة إلى وسيلة فحسب.

فالأخلاق القيمية بمفهومها الإسلامي من منظور البراجماتية قيم نفعية متغيرة يكمن دورها فيما تحققه من نتائج. وهنا ببساطة يتجلى التخلي عن أي منها مقابل تحقيق المصلحة النفعية الرأسمالية.

فالبراجماتية النفعية وحشية جدا حينما تطفو على السطح، وينجلي القناع الخفي عن وجهها، وينتقل الصراع إلى ساحة واضحة لتحقيق المصالح، سواء الفردية أو المجموعاتية حيث تغيب القيم الأخلاقية والإنسانية من أصولها.

فتبدأ بسحق الجميع، وتنتهج سياسة الأرض المحروقة التي تحقق الانتصار. وتقوم بتدمير واستنزاف الأطراف المعيقة لتحقيق الهدف المنشود حتى تُشكل نتيجة ذات معنى من ذلك الصراع.

وهكذا لا أجد غرابة حينما يخرج أي من المرشحين بكشف أوراق الآخر، ونشر فضائحه على العامة، وبيان جوانب القصور لديه، فهذا مبدأ متفِق مع تكوين الحقيقة والمعنى من منظور الفلسفة البراجماتية الأمريكية.

فالرئيس باراك أوباما في خطابة بالقاهرة 2009 استخدم «السلام عليكم» لتعج الصالة بالتصفيق، وشكل من هذه العبارة معنى، حتى تصور بعض العامة بأنه قريب من المسلمين لدرجة اعتقادهم بأن أصوله الأفريقية المسلمة ستجعله يرتدي الإحرام آنذاك.

وخلاصة القول، إن الصراع وكشف ملفات الفساد، ونشر الفضائح، واختراق القوانين المتفق عليها في زمن ما، وصناعة العوائق، واستخدام لي الذراع، جميعها تشيع في المجتمعات المتحررة من القيم الأخلاقية لتحقيق المصالح النهائية، فهي الورقة الرابحة في بعض الأحيان لصناعة واقع جديد وهذا بات ملحوظا في صراع التنافس الرئاسي.

@alahmadim2010