مرزوق بن تنباك

غابت الشرطةُ عن نداء العسس

الثلاثاء - 12 يناير 2021

Tue - 12 Jan 2021

ما رأيكم في أن يكون مقال اليوم مختلفا، وليست له صلة بالحاضر كله، ولا يعرفه أكثر من يقرؤونه، ليكن عن سفن الصحراء، عن نجائب الإبل، عن الرحلة والارتحال على الناقة، والوقوف على الأطلال على ظهور العيس حيث ملأ أجدادكم العرب دواوين الشعر برحلاتهم ومغامراتهم على تلك النوق النجائب التي اختاروا لهن أجمل الصفات والأسماء، وأشهرهن القصواء ناقة النبي التي قدم المدينة عليها واختارت موضع الحرم النبوي الآن وبركت فيه، كتب عنها كثيرون حتى في الأحاديث، وترجم لها وحج عليها حجة الوداع، وطاف عليها ووقف في عرفة، ولم تُسبق إلا مرة واحدة فقال الرسول: حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه بعد ارتفاعه.

وما دمنا في ذكر العرب ورحلتهم على نجائب الإبل، فلا بد من ذكر أشهر ناقة بعد القصواء، حيث خلدها الشعر وأبقى ذكرها وذكر صاحبها ومن توجهت إليه، تلك هي صيدح ناقة الشاعر العربي غيلان ذي الرمة الذي خاطبها حين توجه إلى ممدوحه قائلا: سمعت الناس ينتجعون غيثا / فقلت لصيدح انتجعي بلالا.

وبلال هذا هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، أحد ولاة العراق وأجواد العرب، وقد خلدت صيدح ورحلتها اقتباسات كثيرة من الشعراء يكفي أن يذكرها مثل أبي العلاء المعري معللا رحلته الفاشلة إلى العراق، وأن مطلبه فيه غير مطلب صيدح وراكبها، فقال:

وأني تيممت العراق لغير ما / تيممه غيلان عند بلال.

أما ثالثة النجائب فهي العليا وراكبها أخونا الدكتور موافق فواز الرويلي، والعليا هذه لا تقل أهمية عن سابقتيها؛ القصواء التي اختارت أقدس مكان في المدينة المنورة، وصيدح التي انتجعت العراق وبلال طمعا في جائزته، العليا لم تتوجه إلى موطن ولا إلى مال، بل توجهت إلى محو الفساد وكشف التزييف وفضح الرغبات العاجزة عن العمل والعلم القادرة على الخداع، أخذت العليا على عاتقها أن تجوب الديار وترفع راية الحرب على التزييف، تنتقل من بلد عربي إلى آخر ومن جامعة وهمية تبيع الألقاب الوهمية وتصدرها إلى حيث تجد شهادات الوهم زبائنها الذين يريدون عملا ويريدون لقبا قبولا يصعدون به سلم المجد الاجتماعي، والأخطر من ذلك أن يكون هؤلاء الوهميون في مواقع القيادة في المرافق التعليمية، يمارسون جهلهم على الناس بشجاعة اللصوص.

يقوم الدكتور موافق الرويلي وناقته بعمل تطوعي مشكور، هدفه حماية التعليم وحماية الحقوق الفكرية وحماية العقول من الدرن في الصدور والأوبئة القاتلة للإبداع، ويحدد ما يستطيع القيام به: نحن نقوم بدور العسس ونترك الباقي إلى صاحب الشرطة. وهذا القول هو بيت القصيد، وعمل العسس الذي أشار إليه الدكتور يحتاج إلى شرطة تطبق النظام وتحمي الناس من الابتزاز والضرر، وتأخذ على أيدي الذين يتجاوزن النظام العام ويمارسون الغش والتزوير.

أما السؤال الذي ليست له إجابة حتى الآن فهو: لماذا لا تمارس الشرطة في الخليج العربي وظيفتها التي أشار إليها قائد العسس، وحملها مسؤولية ما يحدث من خرق للنظام التعليمي الذي هو ركيزة المجتمع وأساس أمنه؟ لماذا يجرم التزييف في كل القوانين ويتابع المزيفون ويكشف عن زيفهم ويمنع عدوانهم من أخذ حق ليس لهم إلا عندنا، وفي أهم ما تجب المحافظة عليه وهو ما يعرف بالملكية الفكرية؟ وشراء الشهادات وادعاء الحصول على المعرفة التي من لوازمها الشهادة هو قمة التجاوز على الحقوق الفكرية للمجتمع.

أما الذي يقطع دابر التزييف فسهل، ولا يكلف جهدا، وهو أن تعلن جهة مسؤولة أسماء من ثبت شراؤه للشهادة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولو حصل ذلك لانقطع دابر الزيف والتزوير وارتاحت العسس والشرطة من ملاحقة المزيفين.

Mtenback@