آلاء لبني

في زمن الحياة الرقمية

الخميس - 07 يناير 2021

Thu - 07 Jan 2021

كان الجمهور سابقا متلقيا للمعلومة فقط، لكن وسائل التواصل الاجتماعي قلبت المعادلة، ومن أهم أسباب نجاحها أنها أعطت الجمهور المقدرة على النشر وإنتاج المحتوى والمشاركة بالتعبير عن الرأي، وتستطيع التواصل مع مؤلف أو متخذ القرار وتعلق، وأصبح من السهل على جهة ما قراءة مشاعر الجمهور تجاه خدمة معينة.

في المقال السابق كتبت عن الحياة الرقمية ودور شركات تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي التجارية بجذب أكبر عدد من المستخدمين، والسبل المتنوعة في تحقيق مكاسب عبر سياسات كتقليص نسب الوصول. إن نموذج العمل لدى هذه الشركات هو إبقاء الناس على مواقعها، لذا تسعى جاهدة لتطوير خدماتها وأفكارها باستمرار.

فهي مصممة لجذب الانتباه والاهتمام وإبقائك أطول فترة ممكنة، مما يعني نجاحا لأي تطبيق، وتعتمد وسائل الكسب والإعلان على الذكاء الاصطناعي. ولكن فعليا تحولت هذه المنظومة لأحد أشكال الإدمان لفئة من رواد وسائل التواصل.

كم تستطيع الابتعاد عن الجوال؟ هل تتفقده كل حين؟ كأن هناك شيئا سيفوتك! كم عدد الساعات التي تقضيها على التطبيقات؟ هل تتابع كم إعجابا أو مشاركة حصلت عليها؟ كم مرة تنظر لجوالك وأنت باجتماع عمل أو اجتماع عائلي! بدل أن تعطي اهتمامك بنسبة 100% فإما أن تهرب من التواجد بمكان ما أو أنك لا تستطيع ترك تتبع وسائل التواصل الاجتماعي!

احذر من الإدمان وتتبع وسائل التواصل الاجتماعي لأوقات طويلة، فهي مضيعة للوقت والجهد ولحياة الإنسان الشخصية، الأمر بالغ الأهمية فالسمعة الرقمية التي تصنعها مؤثرة حتى على المسار الوظيفي، فقد تتضرر بسبب رأي أو تعليق ما، فكيف نسيطر على استخدامها؟ بشكل يعود بالنفع وتقليل الآثار السلبية المؤثرة على الثقة بالنفس أو سببا للوحدة والانعزال الانشغال بها عن الواقع، والفئات الأكثر تضررا الأطفال والمراهقون كتعرضهم للاكتئاب، فهناك من يتعرض للصدمات بسبب تعليق ما والبحث عن قبول الآخرين وعدم تحقيق إعجابات كافية أو العكس و ما يترتب عليه من الانتكاس، في حال التعرض للتنمر مثلا!

وتكريس التمركز حول الذات وتصويرها، الذي قد يتحول إلى سمة نرجسية، أبرز المصورين المحترفين يركزون على الصورة وليس ذواتهم بشكل كبير. التربويون ينصحون بعدم تضييع أوقات الأبناء ومستقبلهم على السوشال ميديا، وتخفيف الآثار السلبية عليهم، ومنها: الصور غير الحقيقية للمعايير الجمال وعمليات التجميل.. إلخ، صور مكررة ومتشابه ومستنسخة! تأثيرها لا متناه في تشكيل الصورة الذهنية للجمال بمعايير غير واقعية.

ومن الآثار السلبية نمط الحياة الاستهلاكية التي يدعو لها بعض رواد التواصل، التي تشكل أحد مصادر دخلهم وسبيل تحقيق ثرواتهم، جرب هذا المنتج وذاك، فاقتناؤك ما لا تحتاجه تحت تأثير توصية مشهور ما لتقليده أو الثقة بمصداقيته تضييع للأموال على أمور لا فائدة منها، تحقق ازدياد ثروات للمعلنين والوسائط والشركات المنتجة، ويضيع القرش الأبيض الذي من المفترض أن ينفع في اليوم الأسود!

تأثير ازدياد شعبية وانتشار أمور لم تكن موجودة سابقا، ومن المفارقات والتناقضات أن أكثر الأفعال رفضا بالمجتمع والواقع من أكثرها رواجا وتأثيرا وحديثا، الأبعاد النفسية لها دور، فمثلا يميل الناس إلى الاتساق مع رأي الجموع وما هو معروف، فتحصل المقاطع كثيرة الإعجاب على المزيد دوما.

فبدل أن ندفع أطفالنا ومجتمعنا لاستخدامها نحتاج لتقنينها، وتعليمهم مخاطر الحياة الرقمية. من يقرأ سياسات وشروط التطبيقات قبل تنزيلها؟ كيف يحق لشركة معرفة وتتبع أي نشاط تقوم به وبياناتك؟ معظم الشروط هي في الأصل لحماية حقوقهم وامتيازات تلك الشركات. ونذكر جميعا التساؤلات المطروحة عن الدور الذي لعبته مثلا فيس بوك وقوقل والشهادة أمام الكونجرس حول تأثير روسيا في نتائج الانتخابات في 2016.

جيل الإعلام الاجتماعي منشغل بعدد المشتركين والمتابعين، مؤثرو السوشال ميديا قد يلهونك عما يحدث حولك بالواقع.

تلاشى الاعتدال ليزدهر الخلاف والتنمر، فمن السهل أن تشتم من وراء الشاشة، خاصة بعد التخفي باسم مستعار لخلاف في رأي، وذلك لضحالة نضج التفكير، والقيم غير المقبولة تزداد اتساعا.

الحقيقة أن بياناتنا وتنقلاتنا وميولنا تشكل أرشيفا متكاملا عنا يباع ويشترى لدراسة سلوك المستهلكين وغير ذلك من الأمور الأكثر خطرا.

لا يعني ذلك عدم وجود كثير من المنافع والمكاسب التي تتحقق بحكمة انتقاء سبب تواجدك على مواقع التواصل، فحتى المحتوى القيمي والنفعي له مساحته، وتكون منتجا له أو مهتما به ومستفيدا منه، أما سفاسف الأمور والخوض في التوافه فيعظم من شأنها، إلا ما قصد به التحذير والتوعية من خطره أو كذبه. قال صلى الله عليهم وسلم «إن الله تعالى يحب معالي الأمورِ، وأشرافها، ويكره سفسافها».

@AlaLabani_1