عبدالله قاسم العنزي

مذاهب الإثبات القضائي

الاحد - 03 يناير 2021

Sun - 03 Jan 2021

تعتبر نظرية الإثبات من أهم النظريات القانونية وأكثرها تطبيقا في الحياة العملية أمام القضاء، بل هي النظرية التي تطبقها المحاكم كل يوم فيما يعرض عليها من دعاوى، كما أن الإثبات لا يعد ركنا من أركان الحق، ومع ذلك فهو عنصر مهم لدعم الحق وتأكيده باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تمكن الشخص من الحصول على حقه إذا نوزع فيه، فالحق الذي يعجز صاحبه عن إثباته هو والعدم سواء!

والإثبات بصفة عامة هو تأكيد وجود أو صحة أمر معين بأي دليل، وبمعناه القانوني أو ما يطلق عليه بالإثبات القضائي يقصد به إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يحددها القانون على وجود أو صحة واقعة قانونية ترتبت آثارها.

وتكمن مهمة الإثبات في القضايا المدنية في توصل المدعي إلى إعطاء حقه مظهرا خارجيا يقتنع به القاضي، أما في القضايا الجنائية فإن الدعوى الجزائية تبدأ بمرحلة الاشتباه والاستقصاء والتحري ثم الاتهام ثم احتمال أو ترجيح الإدانة، فأما الإدانة أو البراءة ومهمة الإثبات فهي تحويل الشبهة إلى يقين، فإن أخفق الادعاء – أي النيابة العامة - في إسناد التهمة للمتهم بأدلة مقنعة، فلا يمكن أن تصل المحكمة إلى الإدانة، وليس أمامها إلا الحكم على المتهم بالبراءة. هنالك ثلاثة مذاهب لطرق الإثبات، نذكرها للقارئ الكريم على النحو التالي:

أولا: المذهب الحر أو المطلق:

وفي هذا المذهب لا يرسم القانون طرقا محددة للإثبات، ويترك القاضي حرا في تكوين عقيدته من أي دليل يقدم له، كما أنه يترك للمتخاصمين حرية اختيار الأدلة إلى يرون تقديمها، وهو مذهب يطبق في الغالب في الإثبات الجنائي، حيث إن معظم التشريعات لا تأخذ به في المسائل المدنية، ويظهر بصورة واضحة من موجبات التعزير التي تقبل كل أو معظم الأدلة القانونية.

ثانيا: المذهب المقيد أو الجامد:

ومؤدى هذا المذهب أن يتولى المشرّع تحديد طرق الإثبات وقيمة كل منها والأحوال التي يجوز فيها، وكذلك الإجراءات التي يقدم بها الدليل إلى القضاء، وفي هذا المذهب يكون القاضي محايدا، فلا يعاون أحد الخصوم ولا يقضي بعلمه الشخصي.

ثالثا: المذهب المختلط:

يجمع بين مزايا المذهبين السابقين و يتلافى عيوبهما، فيأخذ المشرع موقفا وسطا بين المذهبين، خالطا بينهما، ولتحقيق ذلك يلتزم القاضي من الإثبات موقف الحياد كأصل، ولكن هناك دور إيجابي له في بعض الحالات، وفي هذا المذهب تتحدد طرق الإثبات وتتعين قوة بعضها ليكون للقاضي في بعضها الآخر سلطة في تقدير قيمة الدليل.

ونظرا لأهمية الإثبات، فقد عنيت جميع التشريعات بتنظيمه ووضع قوانين خاصة توضح أحكامه، غير أن هذه التشريعات اختلفت فيما بينها في طريقة تنظيم قواعد الإثبات، ويرجع ذلك الخلاف إلى أن قواعد الإثبات ليست جميعها من طبيعة واحد، فبعضها قواعد تتعلق بالتنظيم الموضوعي وبعضها الآخر يتعلق بالشكل والإجراءات، وقواعد الإثبات الموضوعية هي التي تحدد طرق الإثبات المختلفة والحالات التي يجوز التمسك فيها بكل طريق وشروط قبوله وقيمته وعلى من يقع عبء الإثبات فيه، أما القواعد الإجرائية فهي التي تتعلق بالإجراءات التي يجب اتباعها في تقديم الدليل أمام القضاء عند نظر المنازعة.

expert_55@