محمد الأحمدي

أطلق لنفسك الحرية في المصادر البحثية

الثلاثاء - 29 ديسمبر 2020

Tue - 29 Dec 2020

الحرية حسب ألبير كامو فرصة أن تكون أفضل. أو التحرك ضمن القوانين والقدرة على اتخاذ القرارات حسب جون لوك. لكن خير ما يقال هنا قول ستيفن كوفي: نحن أحرار باختيار أعمالنا، ولكن لسنا كذلك بتداعيات أفعالنا.

فالباحث محتاج لهذه الحرية في اختيار مصادر بحثه من قائمة المصادر العالمية الضخمة، ولكنه بحاجة لسن نظام لضبط تلك الحرية في الوقت نفسه.

أعلم جيدا أن الباحث بعدما يخوض غمار البحث ويتعمق في الوصول للنتائج، ويعيش نشوة ظهور الإضافة العلمية التي طال العمل عليها، ثم يبرز صوته في البحث العلمي من خلال عملية البحث، قد يعتقد أنه اكتفى بما جمعه من مصادر في مرحلة كتابة أدبيات الدراسة التي أنتجت الفجوة البحثية، وساهمت في صناعة الأسئلة البحثية، وصناعة هوية منهج الدراسة، وآلية جمع بياناتها.

لكن في الحقيقة، الأمر يستدعى تحديث تلك المصادر البحثية أو تغيير قواعد البيانات البحثية للوصول إلى مصادر جديدة ومختلفة وحديثة عن الموضوع المدروس، وهذا الذي تحتاجه كباحث، أن تطلق العنان للمصادر البحثية وتقلل تقييدها.

والباحث في آخر المطاف مفكر، قادر على القراءة والتحليل والربط والاستنتاج والاستبعاد والتوظيف لما يقرؤه ويخدم هدفه البحثي.

ومما يحقق الانفتاح على المصادر المتنوعة تكوين قدرة فكرية نقدية لدى الباحث، وتنمية مهارة البحث والتقصي لمصادر المعرفة، والتنقيب في قواعد البيانات بحثا عن كنوز المعرفة.

إن أكثر ما يؤلمني حينما يتواصل معي باحث يسألني عن مراجع علمية في مجال بحثه الأكاديمي الدقيق، والأكثر ألما حينما يدعي أنه لا يوجد مرجع تناول موضوعه البحثي نظرا لاعتماده على مصادر محدودة في البحث.

أما الكارثة الأكاديمية في نظري أن أجد الأبحاث الأكاديمية الصادرة في موضوع واحد عبر فترات زمنية مختلفة معتمدة على دراسات أجنبية سابقة محددة بحجة الترجمة، وعدم وجود غيرها في المجال البحثي.

كل ما سبق ينم بشكل مباشر عن قلة كفاية مهارات برامج إعداد الباحث الأكاديمي، قبل الخوض في غمار العملية البحثية التي تستغرق سنوات،وهذا أتاح سوقا محمومة على سد هذه الفجوة من التدريب، سواء المدفوع أو المجاني من المختصين وغيرهم.

فالمؤسسات الأكاديمية قادرة على أن تتبنى المميزين وتنشئ المنصات الالكترونية لتقدم مادة أكاديمية موثوقة للباحثين عبر الأزمنة.

فمهارة التنقيب عن المصادر والمراجع وتأسيس معرفة علمية أكاديمية من المصادر المنشورة سابقا مهارة متلازمة للباحث طيلة حياته الأكاديمية، لا تنتهي بتحديد المشكلة البحثية، أو اكتشاف الفراغ البحثي الذي يدعو للبحث والتقصي، إنما مهارة تعليمية حياتية يتميز بها الباحث عن غيره في إيجاد المصادر المعتبرة وتنقيحها، وضبط درجة جودتها، واكتشاف الحجج العلمية المدعومة بالأدلة من عدمها، حتى يبني عليها بناء علميا منطقيا.

إن إطلاق الحرية للباحث في مصادر المعرفة ينعكس على جودة البحث العلمي، والباحث الأكاديمي، والجمهور المتلقي للمعرفة.

وفي ظل المكتبات الرقمية، ومحركات البحث العالمية، وقواعد البيانات المختلفة فإن الباحث لديه فرصة في الوصول إلى المعرفة أينما كانت وبأي لغة كانت، فقد سهلت التقنيات الحديثة للترجمة الوصول للمعرفة بلغة الباحث، وبهذا فإن ذلك دافع للانفتاح على المصادر الأكاديمية باللغات المختلفة، وليس حصرا على الإنجليزية فحسب، رغم تصدرها للنشر العلمي العالمي.

من أبرز الخدمات التي يحظى بها العالم الحديث خدمة الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح يزود الباحث بقائمة من البحوث الأكاديمية المرتبطة بموضوع بحثه عن البحث في قواعد البيانات المختلفة، فعلى سبيل المثال تتحفني: LinkedIn، وResearchGate، وGoogle Scholar، والمجالات الأكاديمية Academic Journals بأحدث ما ينشر من مقالات أكاديمية بمجرد تسجيلك بحسابك الأكاديمي فيها وتفعيل التنبيهات للكلمات المفتاحية.

إذن، مهارة الوصول إلى المصادر الأكاديمية هي مهارة رئيسية حياتية للباحث، وجوهرية لبقائه على صلة باهتمامه البحثي أثناء وبعد إنجاز مهمته البحثية، وتكوينها يجب أن يكون في بداية مرحلة الدراسات العليا إن لم يسبقها في مراحل التعليم العام.

فكلما تأسست المهارات البحثية في المراحل المبكرة للتعلم نضج الفكر البحثي، واشتد الإنتاج المنطقي، وتحسنت جودة المخرجات، سواء على صعيد البحث الأكاديمي أو على التعامل مع الأحداث والقضايا اليومية.

القاعدة الذهبية البحثية هنا: كن حرا في البحث عن مصادر بحثك.

@alahmadim2010