فهد عبدالله

آفة العزلة

الخميس - 24 ديسمبر 2020

Thu - 24 Dec 2020

هل مرت عليك يوما ما تجربة رأيت فيها حماسة واعتدادا بما لدى شخص أو مجموعة أو مؤسسة، بأن لديهم كذا وكذا، وعملت تلك المنجزات وفي ثنايا التفاصيل اكتشفت أن المرجعية الكبرى في وصف الإنجازات أو أداء العمل هو الكيف الداخلي لذلك الشخص أو المجموعة أو تلك المؤسسة دون الاعتبار مثلا للتجارب العالمية أو المحلية أو التعامل معها كنوع تظاهري بأنها أخذت ذلك في الاعتبار؟ ليس بالضرورة أن يكون هذا مؤشر نجاح أو فشل، ولكن بالتأكيد سيعبر عن حالة العزلة والانفتاح تجاه تجارب الآخرين، وهذه العزلة في الأغلب تجعل الأعمال والإنجازات مفردات كمية خالية من الوهج النوعي، الذي أحد أهم مدخلاته النظر في تجارب الآخر ولماذا نجح ولماذا أخفق.

هل يجب أن يكون هناك مقارنات معيارية عند البدء في أي عمل؟ ليس بالضرورة أن يكون ذلك مهندما على جميع الأعمال، ولكن عندما يكون هناك أعمال طويلة الأجل معقدة التركيب وتتسم بالجدة في معظم تفاصيلها ستكون العزلة وعدم النظر في تجارب الآخرين نوعا من المغامرة التي ترتفع فيها مخاطرة عدم النجاح، التي بالتأكيد لو نجحت سيكون خلف ذلك زمن طويل من التجارب وإعادة التجارب لطبيعة الأمور التي تبتدئ من الصفر.

في قصة سابقة وطريفة ومليئة بالتعلم حصلت لي مع أحد الأصدقاء، بذلنا جهدا استثنائيا في نقل فكرة مشروع من حيز الأفكار إلى حيز التنفيذ، وبعد عدة اجتماعات ولقاءات اكتشفنا أن تلك الفكرة موجودة في مكان ما ومنفذة بشكل أفضل من تصوراتنا الحالية، فضلا عن أن تلك الفكرة والمشروع عندما تأملنا فيها وجدنا فيها مزايا لم تكن موجودة في الفكرة التي لدينا، ولو أردنا مجاراتها لأخذت منا وقتا طويلا لا يعلم مداه, في تلك اللحظة خرجنا بخلاصة تعليمية أفادتنا كثيرا، وهي أن بذل الجهود الإضافية في بداية مشروع جديد في المقارنات والبحث بتعمق عن المشاريع في إطار مشروعنا نفسه قد يختصر علينا المسافات الزمنية، من حيث النظر في المزايا التي تميز مشروعنا عن المشاريع الأخرى أو في أحوال أخرى يجعلنا نقف عن تتبع تلك الفكرة وننظر في فكرة أخرى جديدة. فالخلاصات التي تأتي بعد تجربة، ليست كتلك التي تقرأ في ثنايا السطور.

بعد ذلك، وجدنا أنفسنا بطريقة تلقائية لأي فكرة جديدة أو مشروع جديد نسأل ثلاثة أسئلة جديرة بالإجابة المستفيضة:

السؤال الأول: هل هذه الفكرة الجديدة أو المشروع الجديد يوجد مثلها في السوق؟

السؤال الثاني: ما الإضافات النوعية التي ستميز مشروعنا الجديد عن ذلك الموجود في السوق؟

السؤال الثالث: في حالة الاستمرار والمضي قدما في تنفيذ الفكرة أو المشروع، كيف يمكن الاستفادة من تلك الأفكار أو المشاريع الموجودة في السوق؟

أعتقد أن الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة بطريقة الإجابات العلمية، ستجعل الفكرة أو المشروع ذا حظوظ مرتفعة في النجاح والتميز والاستمرارية.

عندما تكون العزلة موجودة في مثل هذه الأفكار والمشاريع في بداياتها بالتأكيد سيكون التقييم لها من قبل أصحابها في أعلى المستويات، وبمجرد الانعتاق من هذه العزلة والانفتاح على تجارب الآخرين ستكون الموضوعية ذات حضور أكبر، ويرتفع حضور احتمالات النجاح والانفتاح على تجارب الآخرين، والاغتراف من المقارنات بين ما لدينا من أفكار ومشاريع وما لدى الآخرين يمثل البحث عن النقد المبكر لما نريد أن نفعله، وسلوك البحث عن نقد الأشياء التي لدينا سلوك واع متقدم، فحواه تدور حول أننا لا نريد للفكرة أو المشروع أن يذبل أو يصيبه الجمود، مما يجعله ينتهي من الوجود يوما ما.