سطور في العزلة.!

من طبيعة الإنسان الحرص والجزع، وهذا أحد تفسيرات قول الله تعالى: «إن الإنسان خلق هلوعا..»، ومن هنا يتساءل العاقل: أما لجسدي وروحي من راحة؟! والجواب عن ذلك إجمالا هو: نعم، وتفصيلا نجده مبسوطا ومبثوثا في منهاجنا وتاريخنا الإسلامي الممتد.

من طبيعة الإنسان الحرص والجزع، وهذا أحد تفسيرات قول الله تعالى: «إن الإنسان خلق هلوعا..»، ومن هنا يتساءل العاقل: أما لجسدي وروحي من راحة؟! والجواب عن ذلك إجمالا هو: نعم، وتفصيلا نجده مبسوطا ومبثوثا في منهاجنا وتاريخنا الإسلامي الممتد.

الثلاثاء - 18 نوفمبر 2014

Tue - 18 Nov 2014



من طبيعة الإنسان الحرص والجزع، وهذا أحد تفسيرات قول الله تعالى: «إن الإنسان خلق هلوعا..»، ومن هنا يتساءل العاقل: أما لجسدي وروحي من راحة؟! والجواب عن ذلك إجمالا هو: نعم، وتفصيلا نجده مبسوطا ومبثوثا في منهاجنا وتاريخنا الإسلامي الممتد.



ففي السنة النبوية؛ حُببت إلى سيدنا ونبينا محمد صلوات الله تعالى وسلامه عليه، الخلوة قبل النبوة في غار حراء بجبل النور، وأسمتها كتب السيرة: التحنث.

وهنا أوضح القصد من هذا الحديث؛ وهو العزلة الإيجابية لمراجعة النفس، بعيدا عن العزلة المرضية، الناتجة عن ظروف نفسية واجتماعية متعددة. ولعلها ما يسميه أفراد المجتمع وخاصة الشباب: النفسنة.! وهي عزلة اختيارية، مصحوبة بصمت طويل، لا صمت حكمة؛ بل صمت دائم بلا سبب وجيه.! 

أعود لموضوعنا، وأضيف أن في العزلة، التي وصفتها بالإيجابية، عظيم التأثير المفيد؛ في مراجعة الإنسان لنفسه الأمّارة بالسوء «إلا ما رحم ربي». فمتى ما انعزل الإنسان بنفسه، من حين لآخر، وأخذها بشديد اللوم والعتاب، في غير يأس ولا قنوط ولا جلد للذات؛ فإنه سيجد أثرا بينا على سلوكه، وصدى يتردد في أعماق روحه.! والعزلة طريق أخضر، للسير في الأرض، والتأمل والتفكر في كل ما يحيط بالمرء من بديع صنع الله تعالى.

ولنعد للآيات الكريمات في أواخر سورة آل عمران، والتي قال عنها المصطفى عليه الصلاة والسلام: «أنزل علي الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها..». كل ذلك يدفع المؤمن إلى مزيد العطاء، والتسامي في معارج الأخلاق الحميدة.

وكم نفتقد كثيرا تلك الأخلاق والمعاملة الراقية، في ركضنا الحياتي اليومي. انظروا لكثرة الخصومات، وتنوع قاموس السب والشتم في كل مكان، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي.! هذا مع محافظتنا على عباداتنا التي ليس لها، بكل أسف، أثر يذكر على سلوكنا ومعاملاتنا. لا شك أن العزلة المصحوبة بالتأمل؛ ستحدث الفرق الإيجابي في تهذيب الطباع، إذا ما جربها أحدنا. وستغنينا عن كثير من المواعظ، التي تطرق الأسماع بلا أثر.! هذا مع ما للعزلة من فائدة كبرى، في اكتشاف الإنسان ما لديه من مواهب إبداعية، شعرية أو نثرية. وتلك الكتابات بلسم يشفي جروح الإنسان، ويشفي ما سببه هو للآخرين من جروح. 

يقول الشاعر عبدالسلام العجيلي، في قصيدته التي عنوانها: العزلة: 

ومن عجب أن يؤنس العقل وحدتي وفي قيظه قد صوحت ورقاتي

وإن امرءا أعدى عدوّ أنيسُه لفي وحشة من عزلة العزلات

ويقول ابن زيدون: 

ألا ليت شعري هل أصادف خلوة لديك فأشكو بعض ما أنا واجد؟!

رعى الله يوما فيه أشكو صبابتي وأجفان عيني بالدموع شواهد.

هيا بنا نجعل العزلة أسلوب حياة لنا، وبابا لمعرفة أنفسنا على حقيقتها، وتصويب ما نتعاطاه من حماقات، على مدى سنين طويلة من حياتنا.!