طلال الشريف

مراجعة البدلات والمكافآت في الجامعات

الأربعاء - 16 ديسمبر 2020

Wed - 16 Dec 2020

الأكاديميون هم علماء المجتمع بما حباهم الله من علم ومعرفة، وهم الذين يمهدون الطريق بإنتاجهم العلمي لإحداث النهضة الحضارية للبشرية، وعلى أكتافهم تنهض الدول وتقوم الحضارات، وتدفعهم مهامهم ومسؤولياتهم وأدوارهم وواجباتهم إلى التفاعل مع مجتمعاتهم ومتطلباتها اللامحدودة مع ما يواجهونه من مشكلات وتحديات.

ويعتقد كثير من الناس أن طبيعة عمل الأكاديميين تكمن في العمل التدريسي الجامعي فحسب، في حين أن ذلك جزء يسير من مهام ومسؤوليات وأدوار الأكاديميين في الجامعات، فهم مطالبون بعدد من الساعات المكتبية للأعمال الإدارية والتعليمية والإرشادية، والقيام بالأعمال القيادية وبالإنتاج العلمي البحثي المرهق ذهنيا وما يصاحبه من تكاليف مالية، ومطالبون بدور فاعل في خدمة المجتمع والإسهام في تنميته وتطويره، كل هذا والأكاديميون يعاملون معاملة الموظفين العاديين الذين تنتهي مهامهم الوظيفية بنهاية ساعات عملهم الرسمية، إلا ما رحم ربي، في حين يعمل الأكاديمي على مدار الساعة والأسبوع دون كلل أو ملل.

ويعتقد كثير من الناس أيضا أن سلم رواتب الأكاديميين من أفضل السلالم الوظيفية الحكومية، وما علموا أن معظم رواتبهم بكل أسف بدلات ومكافآت غير ثابتة طوال حياتهم الوظيفية، وما يزيد الطين بلة أنهم يفقدون معظم رواتبهم عند التقاعد، وكثير من الأكاديميين يعيشون حياة الكفاف، رغم ما تقتضيه طبيعة عملهم من الظهور بمظهر اجتماعي يفترض أن يعكس قيمتهم العلمية ومكانتهم الاجتماعية.

والبدلات والمكافآت الأكاديمية بكل صراحة آفة على الأكاديميين، لعدم ثباتها ولعدم انتظامها ولعدم عدالتها لكل الأكاديميين، وإعادة النظر فيها ومراجعتها ضرورة ملحة لصالح الأكاديميين أنفسهم بما يحسن رواتبهم الأساسية وينعكس عليهم عند نهاية خدماتهم ومستحقاتهم التقاعدية، وضرورة لصالح الجامعات ولوزارة المالية لتقنين عمليات الإنفاق وتخفيض الهدر المالي بدمج أو إلغاء بعض البدلات والمكافآت.

وفي هذا الشأن هناك مجموعة من المقترحات التي تستحق الدراسة من الجهات ذات العلاقة، أهمها: دمج بدل التدريس الجامعي في الراتب الأساسي للأكاديميين، باعتبار التدريس جزءا أساسيا من مهامهم وواجباتهم الوظيفية، وما يتبعه من الأنشطة اللامنهجية وأعمال الإرشاد الأكاديمي، وإبقاء بدل القيادة بحكم المسؤوليات التي تتحملها القيادات الأكاديمية، وإبقاء بدل الجامعات الناشئة لتحفيز الأكاديميين في تلك الجامعات والمحافظة عليهم من التسرب واستقطاب الكفاءات الأكاديمية المتميزة من خارج تلك الجامعات، للارتقاء بأدائها الإداري والأكاديمي، وإبقاء مكافأة التميز لتشجيع عمليات الإبداع والابتكار، وإبقاء مكافأة نهاية الخدمة كتقدير لجهود الأكاديميين وعطاءاتهم، وتخفيض بدل التفرغ للأطباء والصيادلة في الجامعات إذا ما تم دمج بدل التدريس الجامعي في الرواتب الأساسية، وإعادة استكمال منح الأراضي للأكاديميين اللذين لم يحصلوا عليها حتى الآن لضمان استقرارهم النفسي وتعزيز أمنهم الوظيفي وتحقيق العدالة بينهم.

وإلغاء كثير من البدلات التي تقف عائقا أمام تعيين الكفاءات الوطنية وتدخل في صلب وطبيعة عمل الأكاديميين ولا تستحق بدلات ومكافآت خاصة، ويمكن التعويض عنها ببعض التنظيمات الإدارية المساعدة على مواجهتها مثل بدل الندرة، وبدل الحاسب الآلي، وبدل الجلسات واللجان الدائمة، وبدل الوحدات التدريسية الزائدة وبدل الوحدات التدريسية غير المنهجية، وبدل العمل أثناء الإجازة الصيفية، وبدل الخطر، وبدل الانتداب للاجتماعات التنسيقية المشتركة بين القيادات المتماثلة على مستوى الجامعات.

وعموما، إن استمرار نظم البدلات والمكافآت في الجامعات بصورتها الحالية لا يتناسب مع ما وصلت إليه جامعاتنا من تطور، خاصة في مجال الموارد البشرية، ولا تتناسب مع توجهاتها في ضوء نظام الجامعات الجديد ورؤيتنا في 2030، ولا تراعي مكانة الأكاديميين وقيمتهم العلمية والاجتماعية، ولا تحفز الأكاديميين على الإبداع والابتكار، ولا تحقق العدالة بين الأكاديميين.

وأعزو هذا الخلل في تصميم نظم البدلات والمكافآت في الجامعات إلى الضعف والقصور في بناء الأنظمة واللوائح الجامعية، وعدم تحديثها ومواكبتها للمتغيرات السريعة في وقتنا المعاصر، وإلى عدم مشاركة الأكاديميين أنفسهم في إقرار بدلاتهم ومكافآتهم التي تتناسب مع طبيعة تخصصاتهم ومهامهم ومسؤولياتهم الشاقة، وإلى ضعف نظم الرقابة المالية والإدارية في الجامعات، ما يعني ضرورة التعجيل بمراجعة نظم البدلات والمكافآت في الجامعات، بما يكفل حفظ مكانة الأكاديميين وتقدير جهودهم العلمية والاجتماعية.

drAlshreefTalal@