محمد الأحمدي

ابدأ من حيث أنت وستتطور مع التدريب

الثلاثاء - 15 ديسمبر 2020

Tue - 15 Dec 2020

كتبت سلسلة من المقالات تهدف إلى دعم الراغب في استثمار مستقبله التعليمي والمهني، وأوجهها للطلبة والباحثين في الدراسات العليا على وجه الخصوص، أو صناع المعرفة أيا كانت مستوياتهم. فالنمو والتدرج في الحياة أمر طبيعي، والوقت كفيل بإحداث التغيير. وما يحتاجه الإنسان هو أن يسير بخطى متتابعة وباستمرارية في تطوير قدراته إلى أن يصل لنقطة القوة والثقة التي تجعله قادرا على صناعة اسمه في مجاله.

تحتاج في بداية المرحلة المهنية لتحديد المهارات التي ستعمل على تطويرها. فطلبة الدراسات العليا تتضح لهم عندما يلتحقون بمؤسساتهم، وبمشرفيهم، أو بالمجموعات الأكاديمية، سواء بالنقاشات المباشرة، أو من خلال نماذج معدة ليحدد الباحث حاجاته التدريبية الأساسية، ومن ثم الانطلاق في رحلة التعلم. وسيأتي يوم من الأيام تكون أنت القائد في تلك المهارات.

تحديد هذه الاحتياجات التدريبية في بداية الرحلة الأكاديمية يسهل عليك الكثير في نهاية المرحلة، ويميزك عن غيرك من الخريجين، فليست العبرة بالدرجة الأكاديمية بقدر ما هي بكمية المهارات التي تمتلكها لتكون منافسا قويا على الأقل في فترة صلاحية تلك المهارات، فالتغير دائم ومستمر والتحديث سريع والحاجة لتحديث الاحتياجات التدريبية لتحسين أداء الباحث وتنمية قدرته على الإبداع والمنافسة والابتكار غير متوقف، وهذا سر يميز المؤسسات وخريجيها عن غيرهم.

فالإنتاج الأكاديمي يحتاج لتدريب مستمر، وممارسة دائمة، واكتساب مهارات لازمة له، كبلورة الأفكار البحثية، وصناعة المحتوى الأكاديمي، وتشكيل أسلوب كتابي مفهوم للجمهور المعني، ومعرفة خفايا النشر العلمي ومتطلباته المتجددة. وكل هذا بحاجة لجهد تدريبي ذاتي ومؤسسي لبناء الباحث المنتج.

حقيقة التدريب يحمل مشقة جسدية مؤلمة، تقابلها مشقة نفسية تكمن في ترويض النفس ومدافعة هواها من أجل الاستمرار في التعلم، وتطوير المهارات البحثية التي تتطلب فترة طويلة لاكتسابها، وتحويل المحاضرات إلى ممارسات كما في النشر والقراءة النقد، والكتابة الأكاديمية، والتحليل الإحصائي والنوعي. فمهما قدمت نظريا إلا أن الممارسة التطبيقية هي المحك الرئيسي لصناعة المهارة. نُقل أنَّ محمد على كلاي يكره كل لحظة في التدريب إلا أنه لا يستسلم، فتعب اليوم يجعلك تعيش بطلا بقية حياتك.

الاستسلام يعني عدم إكمال المتطلبات البحثية، وهذا أسوأ ما يسمعه الباحث. فتعب ساعات في التدريب يصنع أياما من النجاح. نعم، قد تتألم عندما تكتب أولى المقالات الأكاديمية، وتعاني حينما تأتيك الردود القاسية، مثل: أنت حاجة إلى تحسين الكتابة، أو لا يوجد إضافة علمية تستحق النشر، أو أن هذه المقالة لا تستحق القراءة. فإن استسلمت عند هذه الردود المحبطة فإنك ستبقى في تلك الدرجة، لكن انطلق منها لتطور ما طلب منك تطويره، وعاود الكرة مرة أخرى حتى تتمكن من تلك المهارات.

ومن سبل التعلم السريع أن تنضم ضمن فريق بحثي مدرب في قسمك الأكاديمي، أو التعاون مع ذوي خبرة في النشر العلمي كمشرفك الدراسي لتتعلم فنون المهارة، فأعظم اكتشاف يعتقده وليم جيمس أن الإنسان قادر على تغيير واقعه إذا غير اتجاهاته العقلية.

وحتى تقل عليك صدمة الألم، ابدأ بالنشر المتدرج من مجالات أكاديمية ذات تصنيف منخفض في معامل التأثير، ثم تدرج حتى تصل إلى مبتغاك في المجالات العلمية الأكاديمية في جانب النشر العلمي.

وكذلك في اللقاءات وتقديم المحاضرات، وإدارة الحوارات وهذه أمثلة أوردها حتى تتعرف كيف تتدرب على تنمية المهارة عبر الزمن. فالتدريب على إلقاء المحاضرات من مجموعات صغيرة حتى تصل إلى مدرجات عامة يأتي بالتدرب والاستمرار، والتغلب على القصور، والتعلم من الأخطاء، وتسجيل لقاءاتك الأولية والسماع لها، وتأملها، والحكم على نقاط القوة والضعف فيها يجعلك تتطور تلقائيا بتطوير اللغة المستخدمة، والتخلص من اللزمات اللغوية، وزيادة الحجج والأمثلة التي تعطي للحوارات أهميتها.

القاعدة هنا أن استثمارك في التعلم لمقال أكاديمي واحد أسبوعيا منشور في مجلة علمية ذات معامل تأثير عال، كفيل بأن تتعلم 48 مقالة في تخصصك بعد سنة واحدة، و336 مقالا أكاديميا بعد سبع سنوات، التي هي عبارة عن سنوات الدراسات العليا. أضلع المثلث هنا هي تحديد المهارة، ثم وضع الهدف لتطويرها، وقاعدته الاستمرار في التعلم لامتلاكها. أعط الوقت حقه في خدمتك، فمن يغرس شجرة قد ينام في ظلها، ويأكل من طلعها يوما ما.

alahmadim2010@