علي المطوع

قطار التطبيع.. بين المحيط والخليج

الاحد - 13 ديسمبر 2020

Sun - 13 Dec 2020

أعلن المغرب استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، صاحب ذلك إعلان أمريكي تزامن مع هذه الخطوة، جاء فيه اعتراف الإدارة الأمريكية الحالية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، تلك المنطقة التي تشكل ثابتا قويا وأصيلا من ثوابت السياسة المغربية منذ زمن بعيد. اللافت للنظر أن السلطة الفلسطينية كان ردها هادئا، قياسا بردها القاسي والعنيف على خطوات تطبيعية سابقة، رأت فيها خيانة عظمى للقضية كون التطبيع الخليجي بشكل عام يظل من وجهة نظر السلطة وزاوية رؤية رموزها للأحداث ورقة يضغط ويلوح بها المفاوض الفلسطيني في أي عملية تفاوضية تجري مع إسرائيل، لأن التطبيع العربي من وجهة نظر السلطة الفلسطينية ثمن أخير لأي تسوية يرتضونها لحل القضية العادلة.

المغرب هو رئيس لجنة القدس، والعاهل المغربي الملك محمد السادس ورث هذه السياسة من والده الراحل الملك الحسن الثاني، وهذا يعني أن القدس يجب أن تبقى حاضرة في الوجدان المغربي شعبا وحكومة، وأنها وفق ما استجد من متغيرات ستظل بمنأى عن أي مساس بسيادتها العربية.

السلطة الفلسطينية بهذا الهدوء الغريب قياسا بالحالة الخليجية القريبة، وهذا التعليق المقتضب الذي جاء على لسان مستشار رئيسها، تقحم نفسها من جديد في مسألة التناقضات والحسابات المختلفة تبعا للمطبع وطريقة تطبيعه، فالموقف المغربي ربما أنه قد لقي تفهما من السلطة الفلسطينية، جسدته ردة الفعل الهادئة تلك، ويبدو أيضا أنه قد سبقته جملة من التفاهمات المشتركة، آلت بالسلطة ورموزها لغض الطرف عن هذه الخطوة المغربية التي لم تكن مفاجئة قياسا بالمناخ العام في المنطقة.

الملك الحسن الثاني عام 1986 كان قد استقبل في أفران المغربية رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز، وكانت حجة المغرب آنذاك هو أن التواصل مع إسرائيل ليس محرما، ما دام هذا التواصل سيعري الإسرائيليين أمام العالم، وسيظهرهم على حقيقتهم كقوة عدوانية غاشمة تقتل وتصادر، وتهجر الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره، وقبل هذا التاريخ بعدة سنوات وتحديدا عام 1981 عقدت قمة فاس التي سجلت أقصر قمة عربية، حيث أنهيت بعد خمس ساعات من انعقادها اعتراضا على المشروع الذي قدمته السعودية حينذاك لحل القضية الفلسطينية، وفي العام الذي بعده وفي فاس أيضا تبلورت فكرة مشروع عربي جديد للسلام، لكن إسرائيل وقبل عدة أشهر من انعقاد هذه القمة كانت مبادرتها للسلام مختلفة هذه المرة، فقد قررت غزو لبنان، وبالفعل عُقدت القمة وإسرائيل تستبيح بلدا عربيا جديدا.

هذا السرد التاريخي لبعض مسارات القضية يظهر بوضوح عجز العرب الدائم عن اتخاذ مواقف صريحة وسريعة للتعامل مع إسرائيل، والسلطة الفلسطينية منذ ولادتها كأحد مخرجات اتفاق أوسلو التطبيعي تعيش ذات التناقض مع قضيتها وشعبها والعرب عموما، فمن جانب تشجب الاتفاق الإماراتي البحريني مع إسرائيل بأشد العبارات وأكثرها تطرفا وتراه خيانة، ومن جهة ثانية وفي الإطار الزمني نفسه للحالتين، تتساهل مع الخطوة المغربية في تشخيصها وردة الفعل حيالها.

وتيرة التطبيع مع إسرائيل تتسارع، وكل الدول التي طبعت تتصرف وفق حقها السيادي كما يُقال، في ظل واقع عربي متهالك خلخلته وغيرته «ثورات الربيع العربي» الأخيرة وتدخلات دول الإقليم القريبة، كل ذلك ساهم في الدفع بتلك المتغيرات الكبيرة والمتناقضات العجيبة لتصبح واقعا غريبا معاشا، ولعل أشدها غرابة وإحباطا عند المشاهد العربي البسيط المأزوم بمشاكله وشغله بلقمة عيشه، أن تستنكر القناة المتحدثة باسمه والمنحازة لقضاياه - كما تزعم - التطبيع في الخليج وتدينه بأشد العبارات وتخون صانعيه، وفي الوقت نفسه تغض الطرف عن المفهوم نفسه القادم من المحيط!

alaseery2@