سالم الكتبي

معادلات جديدة في الشرق الأوسط

السبت - 12 ديسمبر 2020

Sat - 12 Dec 2020

في ضوء ما يحدث حولنا من تطورات استراتيجية متسارعة للغاية، وبصرف النظر عما إذا كان هذا التغير سينتج شرقا أوسط جديدا أم «معدلا»، يمكن القول بأن الشرق الأوسط يتغير وبسرعة شديدة، وهناك شواهد عدة على ذلك، منها فتح قنوات العلاقات الرسمية بين بعض دول مجلس التعاون وإسرائيل، وتحول هذه العلاقات إلى موضوع قابل للنقاش والأخذ والرد بعدما كان جامدا في منطقة يصعب الاقتراب منها ولو على سبيل النقاش البحثي لسنوات وعقود مضت.

وهذا التغير بحد ذاته ينطوي على نتائج كثيرة، والأمر هنا لا يتعلق بمسألة بناء تحالف ضد ملالي إيران أو غير ذلك، ولكن مجرد وجود علاقات شراكة استراتيجية في مجالات عدة بين بعض دول مجلس التعاون وإسرائيل يعني أن هناك بيئة استراتيجية جديدة، ومعادلة جديدة يجب أخذها بالاعتبار من كل اللاعبين الإقليميين، سواء تعلق الأمر بالملالي أو بغيرهم، فشبكات المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الأطراف الإقليمية باتت تمثل ركائز للأمن القومي للدول، وباتت أهميتها تفوق فكرة التحالفات العسكرية التقليدية التي لم تعد تمتلك البريق والوهج الذي كان لهما في النصف الثاني من القرن العشرين.

ولنأخذ الصين على سبيل المثال، بوصفها نموذجا للتأثير في بنية النظام الدولي والعلاقات الدولية من دون أن تطلق رصاصة واحدة، ولا حتى تلوح بترسانتها العسكرية في وجه خصومها ومنافسيها الاستراتيجيين، وهذا يشير بقوة إلى مستوى التأثير الكبير الذي تمتلكه القوة الناعمة في القرن الحادي والعشرين.

والإمارات واحدة من الدول التي تضاهي هذا النموذج في النفاذ إلى المسرح الدولي عبر بوابة القوة الناعمة، حيث استطاعات عبر اتفاق السلام مع إسرائيل أن تحرك المياه الراكدة في منطقتنا لسنوات طويلة، وسواء اتفق الجميع مع أهمية هذا الاتفاق ودوافعه الاستراتيجية أو اختلفوا، فإنه يبقى متغيرا استراتيجيا استطاع التأثير بقوة في الواقع الإقليمي، ولا سيما بعد أن هدأت الانفعالات اللحظية التي قابل بها البعض هذا الاتفاق، واكتشاف الجميع أنهم أمام تحرك دبلوماسي يخترق جدار الصمت ويقفز على ما كان يُعتقد أنه فضاء خالٍ من البدائل والحلول الاستراتيجية في التعاطي مع الواقع المعقد لقضية بالغة الأهمية للدول والشعوب العربية والإسلامية، مثل القضية الفلسطينية، التي عانت طويلا من جمود تفاوضي وضعف وترهل في الخيال السياسي، دفعا بها إلى أدراج النسيان لدى أطراف دولية يفترض أن تكون لها أدوار حيوية تلعبها من أجل إيجاد تسوية سياسية عادلة تتعامل مع جذور الصراع، وتبلور صياغات جديدة قادرة على تحقيق تطلعات الفلسطينيين، وتضمن إحلال الأمن والاستقرار والسلام والتعايش في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

ومن البديهي أن هذا المسار في التعامل مع قضايا المنطقة من خلال البحث عن المشتركات وبناء أرضية صلبة للحوار، يُقابل برفض وصراخ من قبل دعاة الفتن والحروب والصراعات، من أنظمة لا تمتلك مشروعا تنمويا حقيقيا لشعوبها، بل تقتات على شعارات أيديولوجية فارغة وتهدر ثروات الدول والشعوب في ساحات حروب لا ناقة لهذه الشعوب بها ولا جمل.

وباتت منطقة الشرق الأوسط في حقيقة الأمر تعيش صراعا بين رؤيتين أو معسكرين، أحدهما يسعى للسلام والحوار والتنمية، والآخر يسعى لإشعال الحروب وتوسيع الصراعات واستدامة سفك الدماء، بدلا من استدامة التنمية وتحقيق تطلعات آمال عشرات الملايين من الشباب الذين تكتظ بهم مدن المنطقة وقراها، وباتوا يمثلون بالفعل قنبلة موقوتة لا تمثل خطرا على أنظمة الحكم في دولهم فحسب، بل على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي بأكمله.

هذا المخزون البشري الهائل من القوة العاطلة يمثل ثروة كامنة تغذي تنظيمات التطرف والإرهاب وتزودها بما تحتاج من عناصر مهيأة لتنفيذ مخططاتها الإجرامية تحت ضغط اليأس والإحباط الذي تعانيه شريحة ليست هينة من الشباب في دول وقعت فريسة لأنظمة شعبوية مؤدلجة لا هم لها سوى تصدير الوهم وإنتاج الشعارات الميليشياوية التي تتمحور جميعها حول العنف والحروب وتصدير الفوضى ونشر التطرف وترسيخ الطائفية، بدلا من التعايش والتسامح وقبول الآخر.

salemalketbiar@