أحمد صالح حلبي

أنقذوها قبل زوالها يا وزارة الثقافة

الخميس - 26 نوفمبر 2020

Thu - 26 Nov 2020

احتضنت مكة المكرمة على مر العصور والأزمان عديدا من المعالم الأثرية التي جمعت أنماطا مختلفة من فنون العمارة، فكانت المدرسة الصولتية التي لقبها الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله - بــ «أزهر الحجاز»، والتي تمت إزالتها لصالح توسعة الحرم المكي الشريف بعد 140 عاما من تاريخ التعليم الأهلي الديني، مشيدة على الطراز «المعماري الإسلامي الذي كان سائدا في الهند إبان الحكم الإسلامي، ويتميز مسجدها بسقفه الداخلي المليء بالزخارف الرائعة».

وكما أزيلت المدرسة الصولتية أزيل من قبلها مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي تناول الحديث عنه الدكتور حسين بن عبدالعزيز الشافعي، موضحا أنه «يقع في أسفل مكة المكرمة، في زقاق العطارين بحي المسفلة وحدد موقعه ابن ظهيرة بأنه أسفل مكة بالقرب من بركة ماجن وينسب هذا المسجد إلى الصديق أبي بكر رضي الله عنه، ويقال: إنه من داره التي هاجر منها، يقع بأسفل مكة، بين بازان المسفلة، ودار البوقري. ولذلك كان يعرف بدار الهجرة أيضا، وعمره المنصور صاحب اليمن قبل سلطنته عندما كان نائبا على مكة سنة 623هـ / 1226م».

وقد أزيل عند بناء أبراج شركة مكة للإنشاء والتعمير، حيث إن المسجد كان في موقع هذه الأبراج، ولكن تم تخصيص جزء من الطابق الرابع في الناحية الشمالية مما يلي المسجد الحرام ليكون مسجدا وسمي أيضا بمسجد أبوبكر الصديق.

وما جعلني أتذكر هذين المعلمين، هو ما رأيته من تآكل لعلم حد الحرم الواقع بالقرب من مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، واحتمالية تعرضه للإزالة لصالح توسعة الشارع الرابط بين الدائري الثالث وطريق المدينة الذي لا نعرف متى ينتهي.

وتواصلت مع الدكتور فواز الدهاس مدير مركز تاريخ مكة، للتعرف عن تاريخ هذا العلم فأوضح أن «العناية الإلهية حفظت أعلام الحرم الملكي الشريف وحدوده منذ نشأته في عهد نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام مرورا بنبي هذه الأمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، الذي أمر تميم بن أسد الخزاعي بتجديد أعلام الحرم، ولقيت هذه الأعلام والحدود عناية خلفاء المسلمين وسلاطينهم وملوكهم حتى عصرنا الحاضر لأهميتها في الأحكام الشرعية لسكان مهبط الوحي وزوارها، فضلا عن أهميتها التاريخية في الأحداث الإسلامية».

وبين أن «عدد أعلام الحرم المحيطة بمكة المكرمة 1104 أعلام، ولا زالت في مواضعها وأماكنها منذ تأسيسها جيلا بعد جيل على رؤوس الجبال، حتى جددت في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وتمت العناية بالأعلام على مداخل مكة المكرمة، حيث بدأها الخليفة الراضي العباسي في سنة 325هـ الذي أمر ببناء علمين من جهة التنعيم لا يزالان قائمين حتى وقتنا الحاضر بشكلهما الأسطواني المميز»،

وما نأمله من وزارة الثقافة بوصفها الآن جهة مسؤولة عن المواقع الأثرية والتاريخية، العمل لإنقاذ هذين العلمين الواقعان بمحاذاة مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، قبل أن يأتي من يقول بأن بقاءهما يمثل مشكلة للمنطقة الواقعة بين تقاطع الدائري الثالث وطريق المدينة المنورة، ومنظرهما يشوه الرؤية البصرية، وحينها نفقد معلما تاريخيا كان واقعا بالقرب من المسجد الذي أحرمت منه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بالعمرة في حجة الوداع سنة 9 للهجرة.

والأمل أن تسعى وزارة الثقافة للبدء في حصر المواقع الأثرية بمكة المكرمة، والعمل على إدراجها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، فأم القرى مليئة بالمواقع الأثرية التي شكلت أحداثا هامة قبل الإسلام وبعده.

[email protected]