محمد الأحمدي

الديمقراطية.. مبدأ أغلبية الأقلية

الثلاثاء - 24 نوفمبر 2020

Tue - 24 Nov 2020

تردح وسائل الإعلام العالمية بلغاتها المختلفة منذ أكتوبر الماضي بأخبار الانتخابات الأمريكية مخصصة لها البث المباشر والتحليل المستمر، أملا في أن تحظى بالسبق في معرفة الفائز في تلك الانتخابات الرئاسية لتقلب الصفحة نحو التعامل مع رؤية الرئيس المنتخب في ظل أزمات عالمية متزايدة. لكن هذه المرة السباق في أزمة كأزمة العالم الحالية. يطول الأمد، وتتباين آراء المحللين المعنيين والمتصلين بسياق الانتخابات ذاتها إلى درجة التراشق السياسي الصريح في وسائل الإعلام المباشرة، من المحسوبين على السلك السياسي الذين يحسبون للكلمة حسابا.

أنطلق بكم من مقولة الرئيس الجمهوري السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية أبراهام لينكولن حول الديمقراطية التي يعتقد بأنها «حكم الشعب بواسطة الشعب لأجل الشعب».

حينما نطلق روح الباحث في تقصي هذه العبارة التي تتكرر في تعريف الديمقراطية رغم التصورات المختلفة للناس حولها، فإن الأهم هنا أن نلقي نظرة على: من هو الشعب المعني في تعريف الديمقراطية السياسية التي تشهدها الانتخابات الأمريكية على سبيل المثال؟ وإلا فمعظم الديمقراطيات وإن اختلفت في نوعية الانتخاب فقد لا تخرج عن نمطين هما الديمقراطية المباشرة التي ينتخب فيها الجمهور المرشح من بين مجموعة مرشحين، أو الديمقراطية البرلمانية التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية، واليونان مصدر هذه الفكرة الفلسفية في الحكم السياسي، حيث ينتخب الشعب ممثليه وهم بدورهم ينتخبون الرئيس لاحقا.

حقيقة، الشعب الصالح لتقرير مصلحة الشعب في اختيار الأصلح للشعب، شعب منتقى بعناية ومقيد بشروط صلاحية الناخب الذي يحق له التصويت. وهنا مسألة أخرى، تقيد الحرية التي يزعمها متصورو أن الديمقراطية هي الحرية المطلقة، وفي الواقع حتى في الديمقراطية لا توجد حرية مطلقة، فقد قُسمت المجتمعات منذ نشأت فكرة مشاركة الناس وإجماعهم على من يحكمهم إلى أطياف، وأحزاب تتباين في قوتها ونسبة تمثيلها للمجتمع، ويعتقد بأن هذه حاجة لاستمرار الديمقراطية والتنافس على المقعد الرئاسي أو المقاعد الممثلة للمجتمع في المجالس المختلفة.

في حال أخذنا الولايات المتحدة مثالا لتوضيح كلمة الشعب فإن نحو 245.5 مليونا مسجلين بوصفهم ناخبين يحق لهم المشاركة في الانتخابات من أصل عدد السكان الفعلي البالغ نحو 324.310.011 مليون نسمة، وهنا يظهر أن نحو 80 مليون نسمة غير صالحين للاقتراع، ولنفترض أنهم دون سن الثامنة عشرة عند أحسن الأحوال، الذين شاركوا في التصويت الفعلي نحو 138 مليونا في 2016، وهؤلاء يمثلون 58.1% من الشعب الصالح للانتخاب.

إذن هناك 41.9% من الشعب الناخب غير مشارك في المرحلة الانتخابية، بالإضافة إلى 24.66% غير مؤهلين للانتخاب، وبهذا يصبح المجموع الكلي لغير المشاركين في العملية الانتخابية 66.56% من الشعب، وبهذه المعادلة يظهر أن الأقلية هي التي انتخبت الديمقراطية البرلمانية في المجتمعات الانتخابية التي تقرر مصير البلاد، ومصير الرئيس القادم للدولة.

وعلى أي حال من الأحوال فإن الديمقراطية الواقعية هي حرية المجتمع الصالح للانتخاب لاختيار الممثل المتاح له، الذي يأتي من خلال التنافس بين أعضاء الحزب الواحد المحددين، والمتفق مع مصالح الحزب. أما الجمهور الناخب فيأتي دوره في مرحلة بينية واقعة بين ترشيح الحزب للمرشح المنافس على الرئاسة وبين المجمعات الانتخابية في حال الديمقراطية البرلمانية التي تقرر مصير الرئيس القادم.

يجب ألا أغفل عنكم هذه المعلومة، فعند أخذ مبدأ توزيع السكان في الولايات المتحدة على أساس العرق يشكل البيض النسبة الأعلى بـ 250 مليونا، يليهم نحو 44.8 مليونا من ذوي الأصول الأفريقية، و19.5 مليونا من الآسيويين.

وفي السياق نفسه، فقد استفاد الديمقراطيون من النخب الجامعية، والأقليات العرقية والمهاجرين، والسلطة الرابعة، والقضايا المطروحة على الساحة: كالبيئة، وحقوق المثلية، والعدالة، وقضايا العمال، من أجل ديمومة الأفكار التي ينادون بها، وضخ الدماء الجديدة للحزب، وهذه القضايا كفيلة بصناعة صوت مرتفع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية حاليا.

إذن ليس بغريب دوي الإعلام الديمقراطي العالمي، وتمجيده لمبادئه، فلديه قوة خطابية ناعمة يدغدغ بها الجماهير حتى تحقق مراده، فالغاية تبرر الوسيلة من وجهة نظره.

قبل أن ينتهي المقال، في ظل هذا الانقسام المحتدم في أمريكا، تحتفي مملكتنا الغالية بالذكرى السادسة للبيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بهدوء وسلام ونماء في مجالاتها المتعددة.

alahmadim2010@