مرزوق بن تنباك

الديمقراطية تسقط الثمر الفاسد من أغصانها

الثلاثاء - 10 نوفمبر 2020

Tue - 10 Nov 2020

كان الرأي السائد إلى عهد قريب أن العالم شرقه وغربه قد وصل إلى النظام الديمقراطي الذي يعطي مساحة عريضة للناس في الحقوق والواجبات، ويضمن المساواة والعدالة بين مواطني الدولة الواحدة، وأن تبادل السلطة في هذا النظام العالمي ضمان لتصحيح مسار الديمقراطية كلما جنحت عن الصواب أو أصابها الخلل في التطبيق الذي يسير عليه قانون العدالة، فالحزب الذي يحكم في النظام الديمقراطي، يكون على عمله وأخطائه حزب آخر منافس له، ورقيب عام هو الشعب كله، وحزب بالمعارضة هو الذي يرصد أخطاء الحزب الحاكم، ويرصد هفواته في كل خطوة من خطواته في الفترة القصيرة التي يتولى فيها السلطة، وتكون دورة الزمن الذي يستمر به الحزب الحاكم معلومة ومحدودة في سنوات قليلة من أربع سنوات إلى سبع سنوات، وقلما تزيد على ذلك، ومهمة حزب المعارضة رصد ما يرتكب الحزب الحاكم من أخطاء وما يقصر به من الواجبات التي عليه القيام بها، فإذا وصل حزب المعارضة إلى الحكم أصلح ما كان قد وقع فيه سابقه من الأخطاء التي كانت محل انتقاده ومعارضته.

والشعب كله رقيب على الحزبين وراصد لأعمالهما ومحاسب عليها متى حان وقت الحساب والمراقبة التي تأتي في كل مدة انتخاب قادمة، وهكذا تصحح الديمقراطية أخطاءها وتجدد نفسها وآليات عملها في كل دورة تتم بين الحزب الذي يحكم والحزب الذي ينتظر دوره في الحكم والعمل والإصلاح، ولهذا السبب أبطلت الديمقراطية المعاصرة نظرية ابن خلدون القديمة التي ترى أن للدولة شبابا وكهولة وهرما تصل الدولة فيه إلى الشيخوخة ثم الموت والفناء الذي هو مصير كل حي، لكن الديمقراطية استدركت ما علل ابن خلدون به ضعف الدولة وفناءها، لأن التجدد والتعهد في الديمقراطية مستمران ودائمان يتلافيان الأخطاء ويبتعدان عن الرتابة والركود والتكرار الذي هو سبب الضعف والشيخوخة، فتبقى الدولة فتية قوية وكأن كل فوز حسب بفترة للحكم هو عمر جديد لها، واستمرار لوجودها وتجددها وشبابها وفتوتها وقدرتها على العطاء والبقاء.

وليس معنى ذلك أن الديمقراطية محصنة من الأخطاء، ولا بريئة من المظالم، ولكن معنى ذلك أنها سريعة العودة والاستدراك. ولا بأس أن يكون الشاهد هو انتخابات العصر التي مرت قبل أيام في أمريكا على ما للديمقراطية من قدرة على نفي الخبث وإسقاط الثمر الفاسد من أغصانها، وتنظيف الطريق أمامها مما يعترضه من عقبات ونكبات، فقد جاءت الديمقراطية بـ (دولاند ترمب) على حين غرة، ودفعت به إلى سدة رئاسة أعظم دولة في العالم، وما كاد يتسلم السلطة ويدير دفة الحكم في أمريكا حتى ظهر عوار سياسته الداخلية والخارجية، وأخطرها على أمريكا - دولة المهاجرين - تمييزه العنصري بين الأمريكيين بحسب أصولهم وألوانهم ومهاجر آبائهم، وفوضوية تصاريحه غير المسؤولة، وعلاقته غير المتزنة مع حلفاء أمريكا وأعدائها، وتخليه عما كان لها من أدوار في الجمعيات الأممية، ومنعه بعض المساعدات المالية التي كانت هي الذراع الممتد لها مع المجتمعات والمنظمات ذات الاهتمام الإنساني.

ولعل ما حملته تهنئة بوش لبايدن تدل على مدى الألم الذي تركته فترة ترمب في نفوس الأمريكيين قبل غيرهم، إذ جاء فيها (لعل هذا الوقت هو المناسب للملمة الجراح)، وقالت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي السابقة بعد فوز بايدن (لنعد لأمريكا وحدتها وتضامنها)، وغير بوش وسوزان عدد كثير من الأمريكيين قالوا مثل ذلك.

ولولا آليات الديمقراطية وسرعة علاجها لما يحدث من أخطاء لصارت الجراح التي أشار إليها بوش والانقسام التي أشارت إليه سوزان قتلا للشعب الأمريكي وديمقراطيته وتفريقا لوحدته، لكن الديمقرطية أنهت الألم ولملمت الجراح سريعا، ووحدت الشعب الأمريكي، وأسقطت الثمرة الفاسدة التي جاءت بها، وأنهت عنصرية العنصريين وعدوانيتهم في أربع سنوات. وجاءت برئيس جديد ودورة جديدة للحزب لتصلح ما أفسده الرئيس السابق وحزبه وسياسته، واضطراب علاقاته في الداخل والخارج.

Mtenback@