فايد العليوي

جذور فكرة الديمقراطية العربية

الخميس - 15 ديسمبر 2016

Thu - 15 Dec 2016

نسف كتاب «الديمقراطية: الجذور وإشكالية التطبيق» لمحمد الأحمري فكرة مركزية الديمقراطية الغربية التي انبثقت من أثينا وإسبرطة ومجالسهما الجمهورية، ومجالس شيوخ روما ومداولاتها الطويلة حول شؤون الإمبراطورية. هذه المركزية التي لطالما تغنى بها الرجل الأبيض وبرر بها نزعته الإمبريالية وطموحاته التوسعية. وها نحن اليوم نراها انقلبت إلى شوفينية شعبوية عندما تدفق عدد من المهاجرين إلى أراضي الرجل الأبيض. صحيح أن الديمقراطية الحديثة أو ما يعرف بالديمقراطية النيابية كآلية هي من أحدث ما توصلت إليه أوروبا وأمريكا عبر فلاسفة التنوير. إلا أنه لا يحق وبأي شكل من الإشكال الادعاء أن الديمقراطية كفكرة أو ثقافة هي أيضا من وحي أوروبا التي لا تعرفها شعوب الأرض الأخرى. فلدينا نحن العرب أقدم قرار اتخذ وفق آلية ديمقراطية هو ما ذكره القرآن الكريم حول ردة فعل الملكة العربية سبأ على رسالة الملك النبي سليمان عليه السلام، حيث قالت «ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون». والأمر هنا ليس مجرد شورى عابرة بل أعمق من ذلك بكثير وله جذور تاريخية ضاربة في عمق التاريخ العربي في جنوب الجزيرة العربية. فقد نقل المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» عن المؤرخ والجغرافي أبومحمد الهمداني صاحب الكتابين الشهيرين: صفة جزيرة العرب والإكليل، آلية انتقال الملك في اليمن فيقول:

«وبأسفل المعافر قصر ذي شمر، ويدخلون في قيالة حمير، وكانت أقوالها تكون في كل عصر ثمانين قيلا من وجوه حمير وكهلان، فإذا حدث بالملك حدث، كانوا الذين يقيمون القائم من بعده ويعقدون له العهد. وكان قيام الملك من قدماء حمير عن إجماع رأي كهلان، وفي الحديث عن رأي أقوال حمير فقط، وكانوا إذا لم يرتضوا بخلف الملك، تراضوا لخيرهم، وأدخلوا مكانه رجلا ممن يلحق بدرجة الأقوال، فيتم الثمانين قيلا، ولم يكن هذا في حمير إلا مرات يسيرة لأن الملك لم يكن يعدو آل الرائش، إلا أن يتوفى الملك وأولاده صغار، أو يكل».



بمعنى أن نظام الخلافة في اليمن كان يخضع لنوع من المأسسة التي لم يعرفها العرب لاحقا، إذ يجتمع الأقيال أو الأقوال وهم أعوان الملك ومفردها «قيل»، وهم ثمانون (كمجلس شيوخ) من وجوه حمير وكهلان إذا «حدث بالملك حدث»، ويفسر الهمداني هذا الحدث المفاجئ بقوله «يتوفى الملك وأولاده صغار، أو يكل، أي يعجز عن شؤون الملك أو يسأم ويعتزل»، فإن الأمر لا يترك على عواهنه بل يجتمع مجلس الشيوخ ويقيمون القائم من بعده ويعقدون له العهد. وقد كان شأن الملك - ربما قبل النزاع الحميري الكهلاني - عن إجماع رأي كهلان قديما، أما في العهد الحديث «عن رأي أقوال حمير فقط». فإذا لم يرتضوا بخلف الملك «تراضوا لخيرهم» أي انتخبوا أفضلهم، أي من الأقيال، ثم أدخلوا مكانه -القيل المنتخب- رجلا ممن يلحق بدرجة الأقوال، فيتم مجلس الشيوخ «ثمانين قيلا». وهذا أبرز نص يدل على أن العرب قديما عرفوا الممارسة الديمقراطية أو على الأقل أسهموا بشكل مباشر في شؤون الدولة عبر رأي جماعي. ومما يؤكد دور مجلس الشيوخ (أقيال اليمن) ودورهم السياسي في التاريخ العربي، ما يؤكده القرآن الكريم كما ذكرنا على لسان ملكة سبأ عندما قالت «ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون».



[email protected]