مديحة سراج

أن تفوتك الحياة!

الأربعاء - 18 نوفمبر 2020

Wed - 18 Nov 2020

نحن نمقت الشعور بالندم حينما يجثم علينا بكل ثقله، فيجر خلفه أكواما متشابكة من اللوم والتأنيب والعتاب، نلقي بها على أنفسنا تارة، وعلى الآخرين تارة، وعلى الظروف تارة أخرى، علنا نتخفف من الحمل الذي تسبب به ذلك الشعور.

أحيانا يكون الندم جراء أمور فعلناها ومضت، كتضحية قوبلت بالنكران، أو تخصص أخطأنا في اختياره، أو كلام جارح تلفظنا به.. ولكن يظل بإمكاننا تدارك هذا الندم وتطويق سطوته، من خلال وعينا بالدروس التي يمكن استخلاصها من تلك التجارب السيئة، ومحاولة التصحيح والإصلاح.

بينما هناك ندم أعظم، بالكاد نستطيع التغلب عليه، وذلك عندما يتعلق الندم بتركنا للفعل، أي عدم اتخاذنا الخطوة رغم الخيارات المتاحة، كأن يأخذ الموت عزيزا تشاغلنا عنه، أو التفريط في فرصة ذهبية للدراسة، أو إضمار حديث عالق رغم أنه كان سينقذ الموقف، مثل هذا الندم لا نملك حيال تغيير أحداثه شيئا؛ لأنها غير موجودة من الأساس!

ماذا لو فوّت حياتك؟ تخيل أنك وصلت لآخر مطاف من عمرك، ونظرت للخلف لتجد أحلامك التي لم تسعَ لها، وتحركاتك المكبلة بما يقول الآخرون، وصحتك المُهملة تنتحب بكاء، وكما غزيرا من المشاعر المنخنقة داخلك، وأحبابك الذين بخلت عليهم بالود، وكل تفاصيل الجمال التي لم تتمتع بها لأنك كنت تحث الخطى لمجرد الوصول، تُرى ما حجم الندم الذي ستشعر به؟

تدفعك الأيام للأمام دفعا حيث لا مجال للرجوع، وكل لحظة تقضيها فإنك تدفع فاتورتها من رصيد عمرك، وكثيرا ما يتردد على مسامعك أن لديك حياة واحدة فقط لكي تعيشها. وعيك بهذه الحقائق يجعلك أمام أمرين: إما أن تستثمر في حياتك قدر المستطاع، أو أن تخضع لها فتجعلها تتقاذفك كيفما شاءت.

«بروني وير» ممرضة أسترالية اعتنت بالعديد من المرضى على فراش الموت، وقادها الفضول إلى معرفة الأمور التي تمنوا تحقيقها في حياتهم، فتوصلت إلى استخلاص قامت على أساسه بتأليف كتابها «أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت».

كان أولها عدم عيش حياتهم كما يرغبونها هم لا كما يريدها الآخرون، ثانيها هو إدمانهم على العمل، ثالثها كبتهم للمشاعر وعدم الإفصاح عنها، رابعها كان التفريط في علاقتهم بالأصدقاء، أما خامسها فكان الندم على امتناعهم عن السعادة.

أيا كان عمرك، شخصيتك، طبيعة علاقاتك أو ظروفك، هذه الخمسة الأمور جديرة باستحضارها بداية كل يوم، اكتبها في ورقة، علقها جوار مرآتك، أو سجلها في هاتفك المحمول كتنبيه يومي، المهم أن تحاول تذكير نفسك بها طوال رحلة الحياة. وكما قال جلال الدين الرومي «واعلم أن كل نفس ذائقة الموت.. لكن ليست كل نفس ذائقة الحياة».