ياسر عمر سندي

ولي فيها مآرب أخرى

الأربعاء - 18 نوفمبر 2020

Wed - 18 Nov 2020

السلوكيات البشرية أنواع متعددة، منها اللفظي باللسان والفعلي بالممارسة والإتقان والإيمائي بما تعكسه لغة الأبدان، وإذا ما تحدثنا عن التوجهات فهي نتاج للأفكار، فإما أن تكون إيجابية وهي الأساس والمطلب، وإما أن تكون سلبية وهذا الخطأ والمطب، وهذه الأفكار تصاغ سلفا في عقلنا اللا واعي بحسب التنشئة والخبرة المكتسبة والمعرفة الذاتية بالشخصية والآخرين، وهو ما يطلق عليه في علم النفس «الاستبصار».

كثيرا ما تستوقفني هاتان الآيتان الكريمتان من سورة طه، قال تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى 17 قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى 18). أنا لا أتطرق للجانب التفسيري لهاتين الآيتين في هذا المقال بقدر ما أركز وأستنبط من معناهما وعمقهما ومرماهما السلوكي اللفظي والفعلي والإيحائي، الذي يقود إلى التغيير والنجاح في جميع نواحي الحياة، بمعونة الرازق أولا ثم بجهد ووعي المرزوق، بل وأكاد أستشعر بتأثيرهما أثناء قراءتهما في كل مرة أتدبر فيها ما وراء هذا الحوار بين كليم الله عليه السلام وربه سبحانه وتعالى، وبين المعلم والمتعلم، وبين المؤثر والمتأثر، هذا الحوار من وجهة نظري الخاصة أرى أنه رسم لاستراتيجية القوة في الإصرار بالتمسك في الهدف المصاغ سلفا، والإيمان بالقدرات الذاتية والسعي بالدوافع الإيجابية.

فالسؤال المبدئي من الله عز وجل عن العصا التي بيد موسى عليه السلام هو الاستفهام المسبق المعلوم بالتركيز على الهدف المرسوم، الذي يلجأ إليه باستمرار، والاستراتيجية التي يرتكز إليها أيضا، والدلالة على ذلك هو السؤال عما بيد كليمه، فالهدف الذي يلازمنا ونلازمه في جميع ظروف وصنوف حياتنا تكمن أهميته في نجاح موسى بتعريف ما يلازمه، وهي العصا التي بيده، بسلوكيات واستراتيجيات تتابعية يقوم بها لتحقيق الانعكاس الذي يعتمد عليه، والذي يمده بالمتعة والقوة والمنعة في شدة التمسك بالتوصيف للهدف في ثلاثة مواضع.

هذا الإصرار والتأكيد والتسمية للهدف من المفترض أن نسقطها على أنفسنا وأحوالنا في كل مرة، فتعريف الهدف والإيمان به يتجسدان في تلك الإجابة بالموضع الأول، حين أخبر عليه السلام «قال هي عصاي»، فهذا يعد أول الاعترافات الذاتية بطريقة الاستبصار بالوعي المدرك على ما نمتلكه بين أيدينا من مقدرات ومعرفة وهواية ورغبة وميول، أعدها كنوزا ظاهرية نتباهى بها ونستمتع في تحقيقها.

وفي جوابه الإلحاقي للموضع الثاني، قال عليه السلام «أتوكأ عليها»، وفيها تتجلى قوة الاعتماد الذاتي والثقة العالية في النفس على ما وضعناه من هدف مسبق نراهن به لتسهيل خطوات الوصول إلى الهدف، فالتوكؤ على أرض صلبة وقاعدة فولاذية هو المخزون المعرفي الذي يعطي القيمة والقامة والمكانة لهذا الهدف والأهداف الإلحاقية المتفرعة من الهدف الأسمى.

ما تم عطفه على سابقه في جوابه عليه السلام للموضع الثالث «وأهش بها على غنمي» هو الإقرار لمن يشتركون معنا في تحقيق الهدف، فكما أسلفت بأن الهدف يحتاج إلى توضيح، وتسمية وتعريف، كذلك يتطلب شركاء نجاح من محيطك ودائرتك المقربة، وربما يكون هؤلاء الشركاء زوجة وأبناء وربما إخوة أو أصدقاء وزملاء، فأنت أيضا من يحدد هؤلاء الداعمين لتعينهم ويعينوك لتجاوز العقبات لتحقيق المتطلبات.

ونرى في آخر موضع ما يعكس التعدد المنبثق من الهدف الرئيس في قوله عليه السلام «ولي فيها مآرب أخرى»، بالمقاصد والحاجات والمنافع المتحققة، فإذا افترضنا أن الهدف الرئيس الذي رسمته في حياتي أن أصل إلى درجة علمية مرموقة، فهذا الهدف له مآرب أخرى مادية ومعنوية، منها أن أحقق مكانة مجتمعية وغاية عملية لتقلد منصب، وأخرى نفسية كما جاء في هرم ماسلو للحاجات، وهي تحقيق الذات والتقدير من الآخرين.

نصيحة: كلنا لديه أهداف يرغب في تحقيقها، فالتتابع الاستراتيجي في تحقيق ذلك يتطلب التسمية أولا للهدف الرئيس، ومن ثم الركيزة القوية التي نستند إليها، ومن هم شركاء النجاح والمآرب الأخرى الموصلة إليه.

@Yos123Omar