أحمد الهلالي

حاجتنا إلى إعادة النظر بعد النظر!

الثلاثاء - 27 أكتوبر 2020

Tue - 27 Oct 2020

حين تتحدث عن معالجة لقضية ما فقد تفاجئك رؤى تضع حلولا مختصرة جدا، تبدو في الوهلة الأولى مناسبة، وحين تقارنها بالمعالجة التي كنت تزمع اتخاذها، تجد خطواتها أقصر بكثير، لكن حين تتعمق في تأملها، تجد أن اتخاذها وسيلة للمعالجة سيخلق قضايا وإشكالات أخرى لاحقا، فتلقي بها جانبا ثم تتخذ الصواب سبيلا.

الحلول المعلبة الجاهزة كالمسكنات، تخفف المشكلة لكنها لا تعالجها من جذورها، ويستمر الداء حتى في ظل اختفاء الأعراض، وهذا التسطيح للقضايا بات من السمات التي تطفو على وجه المشهد، تتغذى على أمرين، الأول: الكسل، والثاني: وهم المعرفة والوعي، والمؤسف أنها باتت ثقافة منتشرة، وتنتظم أيضا مع ظواهر أخرى لا تقل فداحة عنها، كموضوع (الحرية الشخصية) الفضفاض الذي بات معولا يحطم ويشوه كثيرا من القيم الاجتماعية المهمة في حياتنا، خاصة المتصلة بالإيثار والتوقير والاحترام، وتقديم العام على الخاص أو العكس.

نتحدث عن تنامي معدلات الوعي، ونتحدث عن سعة اطلاع الناس، لكننا نغفل عن الهشاشة، وضعف المخرجات، وننساق دون وعي إلى قراءة السطح في ظل الوقع المتسارع للعالم، وفي ظل الثج المعلوماتي الرهيب الذي يحيطنا من كل جانب، فتكون جل تأملاتنا جزئية، ومعظم قراءاتنا مقتضبة، ما يجعل الأحكام هشة ضعيفة، ويمكن أن تشاهد هذا في كثير من النواحي، فقد أصبح الاستسهال سمة تتعاظم، والتسطيح أيقونة كبرى، فانشغلنا عن المتن بالهامش، وعن الجوهر بالشكل، وعن العمق بالسطح.

لا بد ولا مناص من التأمل و(إعادة النظر) في تعاطينا مع قضايانا، حتى تلك القضايا التي ننشئ اللجان والمجالس من أجلها، فقد لمست في عدد كثير من هذه الممارسات ضعف التمحيص، الذي يرجع في بعض جوانبه إلى اختيار عضويات كثير من اللجان، فأحيانا يكون اختيار الأسماء من أجل صيتها فقط مع العلم بأنها مشغولة ولن تقدم المأمول، وفي بعض الأحيان تدخل المجاملة أو المحسوبية في صلب الاختيار، وربما تدخل المجاملة في تمحيص الموضوعات، فيُحابى صاحب الفكرة أو رئيس المشروع لسبب أو لآخر، وتظهر القرارات أو المشروعات نيئة، فمع كوننا شكّلنا لجنة أو مجلسا للأمر، إلا أنه صوري - في الغالب - لم يعدل على أفكار الطرح الأولية سوى شكليات، وتكون أحيانا من باب تسجيل الحضور لا أكثر.

لا نمانع أبدا أن نستجيب للمرحلة ولزمن السرعة، وأن نسير في ركاب عصرنا، لكن في ذات الوقت لا يجب أن نتخلى عن ثوابت التفكير المنطقي، والتعاطي مع المشكلات والحلول، والنظر العميق في القضايا والأفكار، فمن المهم إعطاؤها ما تستحق من عنايتنا واهتمامنا؛ لأن العجلة قد تكلفنا خسارة أفكار أو مشروعات فشلت لأنها لم تأخذ حقها من النظر، أو نخسر أوقاتا للتعويض عما فرطنا، وقد قالت العرب (رُبَ عجلة تهبُ ريثا).

@ahmad_helali