دلال العريفي

القيادة الكاملة

السبت - 24 أكتوبر 2020

Sat - 24 Oct 2020

الحديث عن القيادة الكاملة لا يعني أن نتحدث عن وهم جميل، أو خيال نحلم بوقوعه، فهي وإن قل الكمال في الأرض إلا أن تلك القيادة الكاملة ممكنة الوجود، بل موجودة في حالات ومؤسسات كثيرة في العالم. هذا العالم الذي يزداد تعقيدا وصعوبة يوما بعد آخر، ورغم ذلك تتحقق نجاحات لا حد لها في بعض المؤسسات والمجتمعات، قد يرجع أساسها أحيانا إلى شخص واحد، قائد كامل مكتمل أركان القيادة. ربما نؤمن أن القائد بشر وطبيعته النقص لكن قيادته قد تكون كاملة، وهذا سبب الوصف بالاكتمال، فهو يتعامل مع دوره كقائد بفكر قيادي خلاق، وقلب عطوف ومتفهم، وشجاعة فذة تتطلبها المواقف أحيانا.

نحن ننشأ - أيها القراء الكرام - في عالم يوهمنا أن الكمال خرافة، وأن الكاملين ليس مكانهم في الأرض، وأن الكمال ربما يكون فكرة خارقة للطبيعة، وأن الشيء حين يوشك على الاكتمال فسرعان ما يبدأ بالنقصان أو التلاشي. والاعتقاد بهذه الأمور يقلص الطموح بالكمال كثيرا، كما أن رسوخ مثل هذه الفكرة يجعلنا نطمئن للنقص حين نراه، ونرضى بالأشياء الناقصة إن أحاطت بنا، ونسلم أمرنا حين نعمل تحت إدارة ناقصة وتمارس عملا إداريا ناقصا.

بعيدا عن فلسلفة المفاهيم، القيادة الكاملة هي الواقع الذي ينبغي أن تكون عليه كل قيادة، ومع إيماني أنه لا ينبغي أن يكون هناك ما يسمى «قائد ناقص أو قيادة ناقصة»، لكن في الواقع - وبصراحة غير مطلقة- توجد مثل هذه الحالات كثيرا في بعض بيئات العمل، حيث تُمارس بعض أدوار القيادة ويُترك بعضها، وتُطبق القيادة أياما، وتطبق أشياء أخرى قد تشبه أي شيء إلا القيادة في أيام أكثر.

من هو القائد الكامل؟

ببساطة هو القائد الذي يظهر مزيجا استثنائيا من الفكر والمنطق، فيتعامل مع الأحداث والأشخاص بعقل قيادي حكيم، ويقلب الأمور بقلبه فلا يكون جامد الشعور، خاليا من الإحساس بالآخرين، ويغلف الركنين الأول والثاني بالشجاعة.

وبطبيعة الحال هذه الشجاعة لا يقصد بها الاستبداد والبغي في المنظمة بغير الحق، بل أن يكون شجاعا في تغليب عقله في مواقف، وتحكيم قلبه حتى في أكثر المواقف حزما وصرامة، فيكون جريئا في قراراته، عادلا في أحكامه يتحرى الحق ويتمثل المصداقية ولو على نفسه، والشجاعة أيضا تتضمن إظهار الشعور بالآخرين، وتقديم الدعم العاطفي إن تطلبته ظروف الزملاء والموظفين، وتكمن أيضا في استخدام لغة المنطق وتجاوز متانة العلاقات مهما كان الأمر.

والقيادة الكاملة تفترض ألا يكون القائد أحاديا في التوجه والتفكير، فقد يتميز القائد في جانب واحد فقط ويخفق في جوانب أخرى، وقد يتفوق معرفيا على الآخرين، أو يتميز مهاريا على غيره، لكنه قد يخفق في التعامل مع الأمور بحزم أو تعاطف، وقد يفشل في تعامله مع العاملين معه، أو ينهزم في موقف لا يقوى على اتخاذ قرار بشأنه.

مشكلة القائد الأحادي أن الموظف اليوم أصبح أكثر وعيا بأدوار القيادة وفهم الأنظمة، كما أن طموحه بالعمل تحت ظل قيادة كاملة وبيئة عمل جيدة يتضاعف بسبب كمية النماء المعرفي التي يحصل عليها عبر اطلاعه وحواراته مع الزملاء، ومناقشة خبرات الموظفين الآخرين. وأعتقد أن كل ذلك وأكثر ساهم في وضعهم لمعايير القيادة الكاملة التي يحلمون بالعمل معها ويبحثون عنها، لذا فإن المهمة الأولى لمن يتسلم القيادة اليوم في أي عمل، أن يدرك أن القيادة الكاملة في الأرض صارت مطلبا مهما، لم نخترعها ولم تكن «شيئا من تخيلنا».

@darifi_