طلال الشريف

حدونا على أقصانا.. رسائل ودلالات

السبت - 17 أكتوبر 2020

Sat - 17 Oct 2020

في لقاء تاريخي واستثنائي من حيث الشخصية والمضمون والتوقيت، جاء حديث الأمير بندر بن سلطان شاهدا على العصر مختلفا عن طبيعة لقاءات السياسيين والدبلوماسيين بعد أن بلغ السيل الزبى، بسبب ممارسات القيادات الفلسطينية اللامسؤولة تجاه بلادنا وقياداتنا، متضمنا تسمية الأشياء بأسمائها وكشف الحقائق بالوثائق ولأحداث، وفي توقيت شديد الحساسية والسخونة السياسية والعسكرية والاقتصادية على المستوى العربي والإقليمي والدولي.

وفي قراءة اللقاء نجد مجموعة من الرسائل المهمة، فقد جاءت الرسالة الرئيسية موجهة إلى المواطنين السعوديين، وفي أكثر من مرة في ثنايا اللقاء لتأكيد الدور الكبير الذي قامت به قياداتهم في دعم ونصرة القضية الفلسطينية على وجه الخصوص بالمواقف السياسية والعسكرية المشرفة، وليس بالشعارات الكاذبة والسياسات الخادعة، ودعوتهم للمحافظة على بلادهم، والوعي بحجم التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها، وعدم الاستماع للإعلام الرخيص والمسموم والموجه.

وكانت الرسالة الثانية موجهة بشكل مباشر وقوي للقيادات الفلسطينية ولبعض الفلسطينيين عنوانها أن قضيتكم عادلة ولكنكم محامون فاشلون بكل أسف، وتأكيد رفض التطاول على بلادنا خاصة والخليج عامة ورفض أساليب التخوين ونكران المعروف والتآمر على قضيتهم والمتاجرة بها، والتحريض والتعبئة لتشويه صورة بلادنا وسياساتها ومواقفها الثابتة منذ سبعة عقود، والارتماء في أحضان إيران وتركيا المعادية للعرب في قراءة خاطئة لمفهوم مصالح الأمة العربية ومجريات الأحداث السياسية الإقليمية.

والرسالة الثالثة موجهة إلى إيران وتركيا بأن أهدافهم وسياساتهم وأطماعهم ونزعتهم التوسعية في الخليج مكشوفة، فضلا عن تناقض أدوارهم في المنطقة، واستغلالهم للخلافات العربية العربية، ودعم الميليشيات والمرتزقة والمتطرفين والإرهابيين وغيرهم. والرسالة المختصرة وجهها إلى قطر بقوله إنها دولة هامشية والأفضل تجاهلها.

وأما دلالات اللقاء فأهمها ظهور نمط إعلامي شبه رسمي وغير مألوف يملك الحجة والثقة والخبرة والإقناع للدفاع عن الوطن كمتطلب من متطلبات المرحلة، في ظل ممارسات بعض وسائل الإعلام الرخيص ووسائل التواصل الاجتماعي تشويه سمعة بلادنا وتجاهل أو التقليل من مواقفها تجاه القضايا العربية، خاصة قضية فلسطين، وفتح منصاتها للمنتفعين والمرتزقة والمتطرفين.

والدلالة الثانية أن الأمن الوطني السعودي بمفهومه الشامل خط أحمر، ولن ترضى المملكة بأي إساءة أو تشكيك في مواقفها التاريخية تجاه القضايا العربية والإقليمية والدولية معتمدة على مكانتها وسمعتها ومصداقيتها، وأن صبرها قد ينفد.

والدلالة الثالثة عدم الثقة بالقيادات الفلسطينية التي أضاعت بوصلة القضية بإهدارها عديدا من مبادرات وفرص الحل عبر تاريخ القضية الطويل، وعدم تقديرها للتضحيات المالية والبشرية التي قدمتها بلادنا لنصرة قضية فلسطين العادلة، واتباع نهج جديد في التعامل مع القضية الفلسطينية يفرق بين حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وبين قياداتهم المنتفعة. والدلالة الأهم التزام المملكة بموقفها تجاه القضية الفلسطينية وأنها قضيتها الأولى بعيدا عن الشعارات الزائفة والمزايدات وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.

لقد فسر بعض الإعلاميين والمحللين ذوي النظرة القاصرة والجهل بتاريخ وممارسات السياسة السعودية لقاء الأمير بندر بن سلطان بأنه تمهيد للتطبيع مع إسرائيل، وكأن المملكة بحاجة إلى مثل ذلك اللقاء للحصول على مبرر واتخاذ قرار التطبيع! هذا القرار سيادي تتخذه الدول وفق ما تراه مناسبا لمصالحها، والمملكة كان بإمكانها اتخاذ قرار التطبيع كحق من حقوقها السيادية لتحقيق بعض المصالح والمكاسب مع بعض القوى العظمى والحد من تغول إيران وتركيا في المنطقة، لكنها آثرت ربط التطبيع بالمبادرة العربية التي تكفل للشعب الفلسطيني الحق في دولته المستقلة، ولن تهدر المملكة مواقفها التاريخية مع القضية الفلسطينية ما لم يتحقق للشعب الفلسطيني ذلك إلا أن يأبوا.

drAlshreefTalal@