فرحان الذعذاع

البهاء الاجتماعي

الاحد - 11 أكتوبر 2020

Sun - 11 Oct 2020

حسب قوقل وإخوانه فإنه حين التحام الصفوف وتطاير الغبار في المعارك لا يُعرف من يمسك بالحبال ممن يضرب بالنبال، لذلك قالت العرب «اختلط الحابل بالنابل».

وسائل التواصل بدءا من السيد الوقور تويتر القائد العام للآراء، وصولا إلى حالات الواتساب الشخصية والمحددة بالمعارف والمخزنة أرقامهم، مرورا بكل وسائل التواصل من (المراهق) تيك توك إلى (ملهي الرعيان) سناب شات إلى (السندريلا الحسناء) السيدة انستقرام، إلى اليتيم حمال المآسي (فيس بوك) مع عذاب البنات السيد (لايكي)، وإن نسينا أحدا من أفراد العائلة فليسامحنا.

أقول: كل ما سردنا وما لم نسرد اختلط فيها بالحابل بالنابل، تقرأ تغريدات تويترية أو واتسابية أو منشورات يدهشك مستواها العميق وصنعتها اللفظية قياسا على الناشر، وما إن تمررها على (البِلّيس قوقل) حتى يمطرك بوابل منها، وكأنك تستمع إلى عجوز شر تقول: قالها فلان (بالسنة الفلانية) وقالتها فلانة (هكالسنة)، وفكرتها أصلا مسروقة من كتاب (كذا)، وتظل هذه العجوز تزودك بكل ما يدور في ذهنك من تساؤلات حتى يحوّل هذا الفتان (قوقل) هؤلاء المتمسحين بالثقافة والأدب إلى (حفاة عراة) فقط!

كما أن السيد قوقل وإخوانه من وسائل البحث والتواصل سهلوا الوصول للمعلومة وأوجدوا الوسيلة لما يطلبه المفتشون عن (البهاء الاجتماعي)! وكانوا سببا في نشر رذيلة التدليس والإيحاء والتصنع والسرقات الأدبية، وفي الوقت نفسه سهلوا تعريتها و(كسر رقبة) مدلّسيها، الحفاة من الأدب العراة من الثقافة، الذين يحاولون أن يوهموك بثقافتهم وسعة اطلاعهم ورجاحة عقولهم حين ترى منشوراتهم!

بما أن الأمر يخص الحديث والكلام، فتعريف التدليس: هو إسناد الحديث إلى غير راويه، ممن هو أعلى منه موهما أنه سمعه منه. والمدلس في وسائل التواصل هو ناقل الفكرة الجميلة والعبارة البهية دون عزوها إلى قائلها، موهما القارئ أنها من بنيّات أفكاره!

وبعضهم يتوسع في ذلك فيأخذ راحته أكثر، فيجيب المادحين بشيء من إظهار التواضع، والشكر لهم على تقديرهم جهده الفكري وتعبه في صياغة العبارة!

(قوقلوه) ثقافة انتشرت أخيرا لدى الشركات ومن يتعاملون في قطاع التجارة، لمعرفة معلومات عامة عن العميل، وأعتقد أن هذا السلوك قد انتقل من القطاع التجاري إلى الاستعمال على المستوى الشخصي للأفراد.

فـ (قوقلة) الأشخاص ليس لأجل التعامل معهم ماديا في البيع والشراء، إنما لقبول الأفكار والعبارات أو ردها!

هذا (البهاء الاجتماعي) الذي يبحث عنه أدعياء الثقافة والأدب سرعان ما يتحول إلى (بله اجتماعي) عند أول احتكاك حقيقي بنقاش مباشر أو حوار مع أطراف أخرى!

نعم هناك من يجيد الكتابة ولا يجيد اللقاءات الحوارية، وربما تكون الأسباب خارجه عن إرادته، لكن من المفترض بالمثقف الكاتب والمثقف المحاور أن يكون لديه فكر ولو لم تكن لديه مهارة الحديث!

الثقافة في اللغة: هي الحذق والتمكن. واصطلاحا: إدراك الفرد للعلوم والمعرفة في شتى مجالات الحياة.

ومع التطور التكنولوجي ووجود محركات البحث، خاصة السيد (قوقل) أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة تعريف بعض المفاهيم، ومنها الثقافة التي كانت تعني لنا سعة الاطلاع ومعرفة المعلومات.

اليوم بكل سهولة يستطيع أن يحاورك من لا يملك أي أداة من أدواتها، ما دام أنه يملك جوالا متصلا بالانترنت فبإمكانه أن يسرد لك معلومات قد توقعك في حرج وضعف، وقد يكون هذا الخصم أقل الناس إدراكا وفهما وثقافة!

لذا أرى أن هذا الزمن التقني بحاجة إلى إعادة تعريف كثير من المصطلحات التي كانت سائدة قبل الثورة التقنية والمعرفية وسهولة الوصول للمعلومة!

الثقافة من وجهة نظري ليست معرفة المعلومة مجردة، إنما إعمال فكرك بالمعلومة فهما واستنباطا وإقناعا، بل وقبل ذلك كله ذوقا، قال المثقف ابن الجوزي «إنما أدركت بالغريب».

وأقول: قليل ما يدهش أو غريب في هذا العالم التقني عالم قوقل ويوتيوب وإخوانهم،إنما يدرك الإنسان بالذوق والمنطق ومخاطبة العقل. والله من وراء القصد.

@_shaas_