آلاء لبني

حياة أفضل لكبار السن

الخميس - 01 أكتوبر 2020

Thu - 01 Oct 2020

مراحل الحياة تنتقل من الضعف والطفولة إلى القوة والنضج ثم الضعف والشيخوخة، هذه سنة وفطرة، ولو أمعنا النظر لوجدنا تكرر هذه المراحل في كثير من الظواهر الطبيعية والاجتماعية والسياسية، ففي الجغرافيا السياسية تدرس مراحل تطور الدول على سبيل المثال الدولة في مرحلة الشباب تزدهر وتطمح للتوسع ..إلخ.

وفي حياة الأنهار هناك أيضا مراحل تطور: الشباب، والنضج، ومرحلة الشيخوخة، فحين يشيخ وادي النهر يضعف ويزيد ترسيب المواد المحمولة، لكن النهر بسبب عوامل عدة قابل للتجدد.

كذلك كبار السن بحاجة لعوامل ودعم لاستمرارية حياتهم بشكل صحي وهانئ، وهذا ما يتم التأكيد عليه في اليوم العالمي لكبار السن في الأول من أكتوبر لرفع الوعي تجاه احتياجات كبار السن المتنوعة من الجهات والأسر.

تختلف أحوال كبار السن حسب اختلاف الأحوال الصحية والبيئة المحيطة وطريقة التفكير والهدف الذي يعيش من أجله الشخص نفسه.

فلنتفق أن ثقافة المجتمعات تحدد طريقة التفكير والنظرة تجاه التقدم في السن، ولإيضاح الفرق سأل أحدهم في حفل التقاعد عن ماذا سيفعل بحياته؟ فأجاب: الحياة تبدأ بعد سن التقاعد! وشاهدت على التلفاز امرأة سبعينية تتزلج على الجليد وتستمتع! ونحن طلوع الدرج نخاف منه! ثقافة المجتمع تصنع نوعية الحياة ونمطها.

في مجتمعنا نكبر قبل أواننا ونشيخ قبل سن الشيخوخة فيشيخ البعض وهو في الخمسين! وربما رأيت رجلا أو امرأة بكامل النشاط والعطاء، وما إن يحالا على التقاعد حتى تظهر الأمراض والقلق أو الاكتئاب عليهما! لماذا؟

كبير السن كان يوما له دور ومسؤولية أكبر من الوضع الحالي: اجتماعيا ووظيفيا، فمثلا كان أبا مسؤولا والأبناء استقلوا وشقوا طريقهم، وموظف له دور ومسؤوليات وصلاحيات..إلخ، البعض من كبار السن (تصعب عليه نفسه) فالحاجة إليه قلت.

هل يقدر المجتمع الخبرة المتراكمة على مر الوقت، كلما نكبر تزداد حصيلة الخبرات المتراكمة، وقليلا جدا ما نستفيد منها في المجتمع. الملل والكآبة التي تلاحقهم مؤذية وهي تعد إهمالا كبيرا، هل يجد كبار السن مكانا يذهبون إليه، سواء للاستمتاع أو قضاء الوقت (غير المقاهي) أو حتى المشاركة بدور مجتمعي بارز، قليلة هي الفرص التي تتاح لكبار السن وتجد بعض الفاعلين بأعداد بسيطة حظيت بتقديم دور في البناء والعطاء، وصنعت هدفا تنشده لبقية الحياة ودائرة اهتمام جديدة لهم.

القاعدة: لا أحد محصن ضد الاكتئاب في أي مرحلة عمرية، ولكن اضطرابات القلق والاكتئاب تزداد مع كبر السن على حد قول الأطباء النفسيين، فالتغيرات الاجتماعية والبيولوجية والفسيولوجية والتركيبة الهرمونية، أو الوفاة المفاجئة لأحد المقربين والوحدة، كل تلك العوامل تعرضهم للاكتئاب

الحذر والانتباه من الاكتئاب أمر ضروري فأي تغير في شخصية كبار السن كالعزلة والانعزال عن الأنشطة التي يمارسونها سابقا، والعصبية الزائدة، والقلق، والهواجس وغيرها؛ يجب ملاحظتها، هذا دون الأمراض والمشاكل الصحية التي يعاني منها البعض كالجلطات وضعف الذاكرة وألزهايمر، دون أن نغفل حاجة ذوي الإعاقة من كبار السن. بالمجمل كلما تقدمنا بالعمر نكون عرضة للأمراض وأكثر ضعفا.

السؤال هنا: هل هناك وعي كاف بأهمية الاهتمام بكبار السن؟ هل هناك أماكن كافية تدرب على كيفية التعامل والاحتواء حتى داخل النطاق الأسري؟

نعم لدينا نماذج من البر العجيب، ولدينا مشاكل وتقصير وإهمال حتى داخل الأسر، وأول طرق حلها الوعي بالمشكلة، وليس بالضرورة أن يكون ذلك عقوقا بل ربما يكون جهلا، فالاجتماع العائلي حول كبار السن لا يعني أن الأمور بخير، فالانشغال بالجوال وتجمع الأصغر سنا للتسامر، لا يعني أننا نحتويهم!

حتى في طريقة متابعة ذوي الأمراض المزمنة، والحرص على تناولهم للغذاء الصحي قد نجرحهم، كتوجيه اللوم والانتقاد لهم ومنعهم عن ما يضرهم صحيا! أو تأنيبهم لعدم التزامهم بنصائح الطبيب، كل ذلك يحتاج لفن التعامل، ليس سهلا ولا مستحيلا، متى ما أدركنا أهمية بث الإحساس بالتقدير لهم والمجاملة حتى في الأحاديث المكررة، والصفح عن أخطائهم الماضية.

لسنا في مجتمع ملائكي فبعض كبار السن ربما أساؤوا التصرف في مراحل سابقة في حياتهم، ولكل عائلة لها وضعها الأسري، لكن ترسيخ معاني الاحتواء والصفح والتقدير والاحترام أمر يحتاج مزيدا من الجهود، كل بحسب مجاله ودوره، بما في ذلك الإعلام الذي يجب أن يسلط الضوء على حاجات كبار السن.

كلنا سنكبر لو كتبت لنا الحياة الطويلة، لذلك ما نراه غير مهم سنعاني منه، انظر من منظورهم، لتفهم احتياجهم.

أختم: استثمر في شبابك بنمط حياة صحية بجودة تصنعها بنفسك لتجدها في كبرك، واصنع مساحتك الخاصة واهتماماتك لتوفر لك السكينة، لا تتعلق بأي منصب أو مكانة فكله سيزول يوما ما. ولا تعلق راحتك وسعادتك بأي إنسان، بل بمدبر الأكوان.

@AlaLabani_1