علي المطوع

العرب من التطبع إلى التطبيع

الاحد - 27 سبتمبر 2020

Sun - 27 Sep 2020

التطبيع العربي الأخير جاء سريعا، الإمارات بدأته والبحرين لحقت به، والسودان يفاوض، وعمان حجزت موعدا مسبقا وتنتظر فراغ الساحة لتدشنه علانية.

الكويت ما زالت تصر على الجلوس في المقعد الأخير كونها تعلن دائما أنها ستكون آخر المطبعين، أما قطر فهي في مأزق لا تحسد عليه، لأنها قد سبقت الجميع بعقود، البعض رأى مسلكها (تطبعا) أكثر من كونه تطبيعا، وهذا ما يجعل تطلعاتها مجرد مكاسب لحظية ضيقة تجعلها دائما حاضرة في المشهد الدعائي للمنطقة العربية للحظات، لا تتعدى الصور الشكلية ووهجها في القاعات والقناعات واللقاءات.

أما السعودية فقد أعلنت وبوضوح تمسكها بالمبادرة العربية المعلنة في مؤتمر بيروت عام 2002 كشرط لإقامة علاقات عربية جماعية مع إسرائيل.

مصر والأردن تجاوزتا هذه المرحلة بعقود زمنية لا بأس بها من التعايش، والسلطة الفلسطينية ما زالت حائرة بين تاريخ لا يرحم وجغرافيا تفرض أمرا واقعا لا مفر منه ولا ملجأ.

بقوانين التطبيع وأشكاله وإشكالاته، منظمة التحرير الفلسطينية ومن سار على درب أوسلو واستن به من فصائل فلسطينية أخرى، تظل مشرعنة للتطبيع العربي الأخير وما سبقه وربما القادم منه، كونها بحكم هذه الاتفاقيات وما تمخض عنها، مطبعة ومتعاونة ومنسجمة مع إسرائيل.

بعض الفلسطينيين المعارضين لا يرى في نشاطات السلطة الفلسطينية الحالية إلا شركة أمنية تعمل لدى المحتل الإسرائيلي، إضافة إلى أنهم يظلون أصحاب القضية الأصليين والممثل الشرعي الأصيل لشعبهم العظيم، فإنكارهم التطبيعات العربية الأخيرة يجعلهم في عيون الشعوب العربية وقبل ذلك شعبهم متناقضين مرتبكين غير قادرين على تأصيل موقف يحفظ لهم ماء الوجه في الداخل والخارج.

السؤال: ماذا لو ألغت السلطة الفلسطينية كل اتفاقات السلام المنقوصة التي وقعتها مع إسرائيل؟ أليس هذا أجدى وأنفع للفلسطينيين وقضيتهم بدلا من تنقص الآخرين وتخوينهم؟ ما ضر منظمة التحرير الفلسطينية لو عادت إلى قطر أو تركيا كحكومة منفى وتنادى من هناك لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وحق العودة للاجئين؟ لماذا لا تنادي السلطة الفلسطينية بقطع علاقات المتصالحين مع إسرائيل وسحب سفرائهم منها، أليس هذا أكثر عقلانية وفائدة للقضية المركزية وللشعب والأرض؟!

أمريكا في الشرق الأوسط تمارس دور شرطي المرور، فهي تقف على تقاطعات المصالح والأحداث، وكل ما تفعله تنظيم ردود أفعال الجميع في هذه المنطقة في كل القضايا، وأهمها القضية المركزية فلسطين، ففي نهاية سبعينات القرن الماضي أوقفت الشاه وأخرجته من اللعبة، بل من كل مسارات الأحداث، وأعطت الضوء الأخضر لصدام الذي بدأ حرب السنوات الثماني مع إيران.

في أغسطس عام 1990 رأى صدام ضوء أخضر في آخر النفق، فسار باتجاهه محتلا الكويت، في الوقت نفسه أوقفت أمريكا هذا المسار وعاكسته وخالفته، فأخرجته متحالفة مع دول المنطقة والعالم، وأعادته إلى العراق محاصرا، وأوقفته حتى أخرجته من واقع المنطقة.

إدارة أوباما شجعت ما يسمى (الإسلام السياسي) ودفعت به في أتون الصراعات المختلفة في الشرق الأوسط وساندته بأداتين فاعلتين لنشر الفوضى فكانت إيران أولا وتركيا ثانيا، الأولى تم إيقافها بضوء أحمر وألغيت كل الامتيازات التي حصلت عليها في حقبة الإدارة السابقة، وها هي اليوم تعاني من تبعات ذلك الضوء - الأخضر - الذي رأته في البداية حظا، لكن نهاياته حورته ليكون كما قال الشاعر (والحظ إن بلغ النهاية موبق).

أما الثانية - تركيا - فالضوء الأخضر جعلها تصل إلى قطر والبحر الأحمر وشرق المتوسط وليبيا والعراق وسوريا، ويبدو أن الشرطي الأمريكي سيمارس الفعل نفسه ويغير لونه ومزاجه، وستدخل تركيا في سيناريو جديد بوادره ليست طبيعية وليست في صالحها، وهذا ما تؤكده السياقات التاريخية القريبة في المنطقة وإرهاصات المستقبل القريب.

إذن أمريكا وكعادتها ومن منطلق نفوذها وقوتها، هي من تعيد رسم الأحداث وإعادة صياغة المبادرات بما يكفل بقاء إسرائيل نافذة قوية في المنطقة على حساب الفلسطينين وحقوقهم المشروعة.

السلطة الفلسطينية عليها عبء ثقيل ومسؤولية كبرى تجاه فلسطين القضية المقدسة عند العرب والمسلمين والمسيحيين، ولا بد لها من موقف يزيل الضبابية عن مواقفها التطبيعية السابقة، ويجعلها تعود بالقضية إلى الواجهة، بدلا من التواكل على الدول الخليجية (وزيتها)، التي وإن رأى البعض في مواقفها شيئا من التراجع إلا أن موقف السلطة الفلسطينية المتخاذل والضبابي يظل واحدا من أهم المبررات التي يتكئ عليها كثيرون لتبرير إقامة أي علاقات مؤقتة وضرورية مع كيان محتل تعاهدته الدول العظمى بالرعاية وعهدت بحفظه أمريكا شرطي المرور في المنطقة والعالم.

alaseery2@