فلسفة التطبيع الإسرائيلي العربي

الاثنين - 10 فبراير 2020

Mon - 10 Feb 2020

كان العداء قبل الثمانية والأربعين محليا، قبل أن يتدخل رئيس الوزراء الإنجليزي بلفور، ويرجح كفة على كفة، فينزع صلاحيات الأولى، ويطرد جزءا منها خارج الحدود، ويعطي للكفة الثانية كامل الحق، الذي يتفاقم بحضور من كانوا بالخارج، للسيطرة على الصورة.

حروب ونكسات، وحدود تتغير، وواقع عربي يكابر ويرفض الوجود الإسرائيلي المجحف، ويتوعد بالرمي في البحر، والتشبث باللاءات الثلاث، والتي ما لبثت أن بدأت في التحلل بعد كامب ديفيد، والتطبيع الجزئي.

مصر والأردن كانتا دول المواجهة، ولكنهما طبعا، حكوميا وليس شعبيا، ومن خلف الستار بدأت مع دول أخرى تغازل الوجود الإسرائيلي، بحجج السلام والنمو والنهضة، وتبنت دول أخرى المقاومة التي لم تكن إلا طريقة لسرقة الأموال، ودق إسفين بين العرب، وخلق الحركات الإرهابية، وتحطيم الشأن العربي من الداخل، والمستفيد كان إيران التي بسطت قواتها وأذرعها على عدد من الدول العربية، بشعار الوصول للقدس ولكنها لم تطلق ولو رصاصة طائشة على قوات إسرائيل التي كانت تقصف قواتها في سوريا بعين قوية.

والمستفيد الثاني كان دولة تركيا التي كانت تظهر بمظهرين متناقضين، فهي أول من طبع حكوميا وشعبيا، وهي أول من يحاول قيادة الدول العربية المخترقة بالإخوان بعنجهية وتدليس.

إسرائيل وجدت لها الراعي الأقوى عالميا، فتعالت سقوف مطالبها، ولم تعد ترضى بالهم ولا بمن رضي به.

صفقة العصر كانت تتردد في شكل تسريبات وإشاعات، قبل أن تصبح خطة واضحة المعالم، وقطارا سريعا يبشر بالانطلاق إلى دنيا السلام، ومحطات موعودة بالخيرات والنماء، وخريطة أشبه بحبات العنب منثورة وسط الحدود، ولا يمكنها أن تبلغ الخارج إلا عبر الإسرائيليين القائمين بالحماية والأمن.

هنالك فرق في النوايا وفي التخطيط وفي النهايات، فليس كل ما يكتب يقال، وليس كل وعد ينفذ وليس كل أمل يرتجى يكون، ولكن بعض الدول المتحفزة تدخل المعترك التطبيعي، فمنها من يصرح بذلك ومنها من لا يعترف، ومنها من يخشى أن يفوته القطار ومنها من ينتظر ليتعلق بالباب، بمجرد الاطمئنان لركوب الأغلبية.

الفلسطينيون أنفسهم محتارون، فعلى كثرة ما ضيعوا من الصفقات السابقة الدسمة أصبحوا يخشون تضييع الحواشي والعظام في صفقة العصر، وسلطاتهم المتنازعة تكابر وتدعي العنترية، رغم أنها مرتاحة لما تم بالماضي وتتمنى استمراريته!

قائد القطار كوشنر انطلق من واشنطن وتوجه لإسرائيل، وتحرك داخل عدد من الدول العربية والتذاكر توزع بالمجان، بل وإن معها حقائب وعود كريمة.

الجميع يعيد فهمه للقضية، ويبحث عن ذاته، ويحسبها بكل تحدياتها الإرهابية، وبالضغوطات والفقر والتخلف والعناد، والخوف من أن يظل متحجرا مكانه ويكون القطار قد ابتعد كثيرا.

الشائع حاليا هو التراشق العربي، فكل يتهم الآخر بتورطه في التطبيع أكثر من غيره، وفي كل يوم تكال التهم على من يُكتشف أنه سارع للتطبيع، مع العلم أن التطبيع قديم ومستمر بين الفلسطينيين أنفسهم مع العدو الإسرائيلي، بحجة التحاور في حل القضايا المعلقة بينهم، ويتناسون أن بعض الدول العربية لديها مصالح معطلة، ولديها حاجات تشابه حاجة الفلسطينيين.

معمعة فلسفة عرقية دبلوماسية، أمنية عسكرية اقتصادية تخوضها الدول العربية، ولا يمكن لأكبر المنجمين معرفة نجمها الثاقب ولا رمادها الزائل.

Shaheralnahari@