يحيى بكلي

مفاتيح التفوق في القرن الحادي والعشرين

السبت - 26 سبتمبر 2020

Sat - 26 Sep 2020

تشكل العولمة بمختلف مكوناتها التكنولوجية والاقتصادية والثقافية بيئة تستدعي أن نتمكن ونمكن أبناءنا جملة من المهارات، غير المهارات التي كانت ضرورية للنجاح في القرون الماضية.

فالأجيال الحالية تحتاج إلى ست مهارات على الأقل لتنجح وتتفوق في حياتها، وهي: إدارة التغيير، وإدارة الوقت، وإدارة الضغوط، وإدارة العلاقات، وإدارة المال، وإدارة المعلومات.

كل واحدة من هذه المهارات لها أسرارها ومفاتيحها ووسائلها. وقد كتب الكثير عن مفاتيح المهارات الخمس الأولى. تكفيك جولة في رفوف مكتبة جرير لتتيقن من ذلك. لكن لا يوجد في المكتبة العربية ما يكفي من الكتابات عن مفاتيح إدارة المعلومات. يمكن تلخيص هذه المفاتيح فيما يسمى علميا بالوعي المعلومات أو ثقافة المعلومات. ومهارات الوعي المعلوماتي هي بإجماع علماء التخصص خمس: القدرة على تحديد المعلومة التي تنقصنا، والقدرة على ضبط المصادر الأنسب لتلبية تلك الحاجة، والقدرة على نقد وغربلة وفرز تلك المصادر، والقدرة على توظيف المعلومات الجديدة المكتسبة ودمجها في الروتين اليومي، بحيث تجعل منظومة اتخاذ القرار وحل المشكلات عند الفرد أنجع، ثم امتلاك الحد الأدنى من الثقافة المتعلقة بالمعلومات وتكنولوجياتها (بما في ذلك أبعادها النفسية كالإدمان على الجوال، والقانونية كقرصنة المعلومات.. إلخ).

ومن هذا المنطلق، أولت الأمم المستبصرة أهمية بالغة لتثقيف أفرادها ومواطنيها وإمدادهم بالمهارات اللازمة في سبيل التحكم في المعلومة، وتأهيل المواطن ليكون صالحا وفاعلا ومنسجما مع استراتيجيات أمته.

ولعل الولايات المتحدة الأمريكية كانت بلا منازع الأمة السباقة إلى هذا الموضوع من خلال مبادرات ملفيل ديوي، ابتداء من 1876 حين دعا إلى تأسيس معهد للتكوين في المعلومات والوثائق، غير أن هذا المفهوم سيتحول إلى حركة جادة من الوعي المعلوماتي بعد نشر الهيئة القومية الأمريكية لجودة التعليم لتقريرها المشهور بتقرير «أمة في خطر»، وذلك عام 1983م.

وقد كان من بين الملاحظات التي حذر منها التقرير قوة المنظومة اليابانية والكورية الجنوبية في تخريج الطلاب المبدعين، والذي انعكس على نوعية المنتجات الصناعية التنافسية لهذه الدول، وعزا ذلك إلى أن المنظومة التعليمية في الولايات المتحدة (آنذاك) لم تواكب بعد خصوصيات القرن الحادي والعشرين، والمتمثلة في أنه عصر المعلومات.

وعليه شدد التقرير على ضرورة تعليم الطلاب كيف يتعلمون بطريقتهم الخاصة، وكيف يكتسبون المعلومة العلمية المناسبة بأنفسهم، وضرورة تعليمهم كيف يطورون معارفهم وذكاءهم.

وتحت عنوان «مجتمع التعلم» ركز التقرير على ضرورة استعانة المدارس والجامعات بمختلف مؤسسات المجتمع من أجل تمكين الطلاب بهذه المهارات المتعلقة بالتعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة. وأشار إلى أن القيمة المضافة للمدارس والمكتبات هي رفع القدرات المعلوماتية للطلاب بحيث يكونون قادرين على تحديث معارفهم، وإلا فإن معلوماتهم ستتقادم مع الوقت. وبات تدريس المعلومات وعلومها بمثابة الضمانة لدخول وانخراط حقيقي للتلاميذ والمعلمين فيما يسمى بمجتمع المعلومات.

وسيمكن هذا العلم من تحصين الأجيال ووقايتها من الآفات السالف ذكرها. كما سيمكن تدريس مهارة المعلومات من سد الفجوة بين من يمكن أن نسميهم بأغنياء المعلومات وفقراء المعلومات.

وفي المجمل فإن تنمية الوعي المعلوماتي ستجعل المستفيدين من تلك البرامج مؤهلين ليكونوا مواطنين ناضجين و»متخلقين» معلوماتيا، مفيدين لوطنهم و»صالحين» اجتماعيا، ومثمرين في حياتهم الشخصية، وقادرين على تحمل المسؤوليات الأسرية والاجتماعية والمهنية، وقادرين على تعليم ذواتهم وتطوير شخصياتهم، والتفكير النقدي البناء.

لكن سؤالا يطرح نفسه: ما هو وضع الوعي المعلوماتي في الدول العربية والإسلامية؟ وللإجابة عنه لا بد من إلقاء نظرة على الإنتاج العربي المكتوب حول الموضوع، والذي يجعلنا نستنتج أننا في العالم العربي لا زلنا في مرحلة التمهيد مع بعض المبادرات الميدانية الرائدة في المجتمعات الأكاديمية، وفي مقدمتها السعودية ثم سلطنة عمان والإمارات والكويت، أو حركة التكوين المستمر لمتخصصي المعلومات في الجزائر وتونس والمغرب. ولكن لا يزال هناك عمل كبير أمامنا لتعميم ثقافة المعلومات على الشعوب العربية الإسلامية.

وهنا نشيد بمقترح الأستاذة ناريمان إسماعيل متولي رحمها الله، والذي نشرته عام 2008 في مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، المتمثل في تأسيس مركز وطني للوعي المعلوماتي بالمملكة العربية السعودية، ضمن التوسعات المقترحة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة الكائنة في الرياض. واقترحت هذه المكتبة لإيواء المركز «لأن تعليم وتدريب الأفراد سيقع على عاتقها، ليس بالنسبة لمرتاديها من المستفيدين والباحثين فحسب، ولكن بالنسبة لموظفي الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة لتكوين شعب على قدر كبير من الوعي المعلوماتي ينطلق بالدولة إلى آفاق التقدم لمسايرة المستقبل».

ومن جهتنا ننصح الحكومات العربية الإسلامية بوضع خطة استراتيجية في كل بلد لثقافة المعلومات، تكون إسنادا لخططها الاستراتيجية الشاملة، وكذا تأسيس مراصد للوعي المعلوماتي في كل بلد، تكون هذه المراصد أداة لمراقبة الظاهرة وتقويمها وتطويرها، كما ستكون أداة بيد الباحثين والأكاديميين من أجل إجراء الدراسات حول مختلف التجارب الناجحة منها وغير الناجحة، وذلك من أجل مستقبل أفضل للوعي المعلوماتي في بلداننا.

كما نستفيد من التقرير الأمريكي ضرورة الأخذ بجد بمسألة المكتبات العامة وإعطائها أهمية بالغة في الميزانيات والتوظيف، والاستثمار بقوة في تدريس مهارات المعلومات والمكتبات في الأطوار التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية، والاعتناء بالأقسام التي تتولى تدريس علوم المعلومات في الجامعات.

[email protected]