طلال الشريف

قطع الأيدي الطويلة

الأربعاء - 23 سبتمبر 2020

Wed - 23 Sep 2020

تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن كلفة الفساد تساوي أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونجاح مشاريع الإصلاح الوطنية مرهون بدرجة كبيرة بفاعلية الأجهزة الرقابية لضمان تحقيق الكفاءة في استثمار الموارد وحماية كيان الدولة وتوفير المناخ الملائم للأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء الإداري والمالي، فالفساد على مستوى الدول مفهوم وممارسة معقدة تتداخل فيه عوامل كثيرة وفي مختلف جوانب الحياة الوطنية، ويبقى مضمونه في إطار إساءة استخدام السلطة العامة من أجل الكسب غير المشروع أو تحقيق المنافع الشخصية غير المستحقة للفاسد أو غيره، ويمكن تصنيفه بشقيه الإداري والمالي إلى الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وتتنوع مظاهره في المجتمع، فأخطرها الخيانة الوطنية بالتآمر على الوطن مع خصومه، وعدم المحافظة على أسراره، ونقض البيعة، ومنها التطرف الديني والأخلاقي، والقيام بالأعمال الإرهابية، والتعاون والانضمام للتنظيمات السرية، والرشوة لتمرير أو تنفيذ أعمال مخالفة للقوانين والأنظمة، والمحاباة بتفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق كما في مشروعات المقاولات وعقود الاستثمار، والوساطة بمنح الحقوق لمن لا يستحقها وحرمان المستحقين لها، والابتزاز والتزوير بغرض الحصول على المال من الأشخاص باستغلال الموقع الوظيفي، ونهب المال العام، وانتهاك حقوق الملكية، والتسهيلات المصرفية، والتباطؤ والتعطيل المتعمد في إنجاز المعاملات وتقديم الخدمات وغيرها كثير.

وأما الآثار المترتبة على الفساد فحدث ولا حرج، فالفساد السياسي يؤدي إلى الانحراف عن دستور الدولة ونظام حكمها ونهجها السياسي بما يؤثر على الولاء والانتماء والوحدة الوطنية والأمن الوطني وسمعة الدولة وهيبتها ومكانتها ومستوى تأثيرها الدولي. والفساد الاقتصادي يؤدي إلى تراجع مستوى الخدمات، والبنى التحتية، وتراجع الاستثمار العام في المشروعات الوطنية، وهروب رأس المال، وعزوف المستثمر الأجنبي بما يوفره من موارد مالية وفرص عمل ونقل للمهارات والتقنية، وتشويه أصحاب السلطة لمفهوم توزيع الدخل والثروة والتنمية المستدامة، وإضعاف النمو الاقتصادي، ورفع مديونيات الدولة. والفساد الاجتماعي يؤدي إلى غياب العدالة الاجتماعية في الحصول على الخدمات والفرص الوظيفية، وارتفاع معدلات الفقر، وتوسيع الفجوة بين طبقات المجتمع، وضعف مستوى جودة الحياة.

والحقيقة أن هناك نوعا من الفساد هو الأخطر، والدافع لأنواع الفساد الأخرى، والذي لم يأخذ حقه من التركيز والعمل، وهو الفساد الأخلاقي بما يعنيه من البعد عن القيم والأخلاقيات الدينية والاجتماعية، والذي يؤدي بالأفراد إلى الانحراف السلوكي في ممارسة أعمالهم الوظيفية ونشاطاتهم الحياتية، مما يؤدي إلى انهيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ككل.

وما تقوم به هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عمل رائع، ما كان له أن يحدث لو لم يكن توجه الدولة وقيادتها في مرحلة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تعيشها بلادنا وتعمل عليها من خلال برامج رؤيتنا الوطنية 2030، وتحية وشكر ولي العهد لمنسوبي الهيئة بعبارة (بيض الله وجيهكم) وتبنيه مشروع مكافحة الفساد سيعززان من دورهم ويرفع مستوى أدائهم وفاعليتهم، ولكن ذلك لا يكفي، لأن مكافحة الفساد تتطلب تعاون وتعاضد كل أفراد المجتمع ومؤسساته.

الفساد جريمة وآفة بحق الوطن ومعوق للتنمية والتقدم والتطور، ولكي نقلل من آثار الفساد يجب علينا أولا وقبل كل شيء إعادة النظر في منظومة عملية التربية والتعليم والتنشئة الصحيحة لأفراد المجتمع على القيم والأخلاق بالدرجة الأولى بما يعزز في نفوسهم المراقبة الذاتية وتعظيم وتقدير الأمانة وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة، وتفعيل إدارات المراجعة الداخلية لتقوم بدورها بإيجابية بعيدا ًعن التقارير الروتينية التي لا تعكس واقع الممارسات الخاطئة وتكشف الفساد الإداري والمالي.

وكذلك العمل على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفق معايير النزاهة الموضوعية، والعمل على تدوير الموظفين والمسؤولين بشكل مستمر وعدم بقاء المسؤول الإداري فترات طويلة في موقعه الوظيفي، وتغيير الأنظمة والآليات التي تدفع إلى الفساد، خاصة في إرساء المشروعات والمناقصات والمشتريات وسداد الموازنات.

ولا ننسى تشجيع العاملين داخل القطاعات الحكومية والخاصة على تقديم المعلومات المتعلقة بالعمليات المشبوهة، وتوعية المواطنين وتعريفهم بخطورة الفساد بكل صوره لضمان تعاونهم في القضاء عليه، وتغليظ العقوبات المفروضة على مرتكبي الفساد وقطع الأيدي الطويلة أولاً بأول، وإقرار قانون: من أين لك هذا؟ للاستعلام بشكل دوري عن مصادر الثروة لدى المسؤولين، وأتمتة الأعمال الإدارية والمالية بما يحد من استغلال النفوذ الوظيفي.