ياسر عمر سندي

ماركة تجارية مستعجلة

الأربعاء - 09 سبتمبر 2020

Wed - 09 Sep 2020

أود أن أنوه في بداية هذا المقال بأني لا أريد التطرق إلى أي أرقام أو أعداد أو إحصاءات؛ وسأتناول هذا الموضوع الذي شاع مؤخراً من جوانب عدة؛ مجتمعية ونفسية وإنسانية خطيرة باتت تطفو على السطح، فقد يكون هذا الموضوع حلاً لدى البعض، وربما يكون تأثيره إيجابيا لدى الآخرين، وقد يكون حياة لمن لم تنعم لهم الحياة، وعندما يتركز عليه النظر ويتضح ويظهر؛ مجتمعيا وإعلاميا ويبدأ بعض الأشخاص من المجتمع بممارسة سلوك الترف للأسف، وكأنما يتعاملون مع ماركات تجارية مسجلة لمجرد الاقتناء، ومن ثم ينتهي غرضه بالاستغناء، وكأنما الأمر أصبح أذواقاً للمباهاة فقط؛ لينعكس المفهوم المادي في التعامل اللاإنساني بين البشر، في موضوع الزواج والطلاق؛ هنا يستلزم الأمر وقفة جادة، واستنهاضا للمجتمع من غفلته وسباته؛ ليعاد النظر ويرتد البصر باللجوء إلى الحل والبعد عن الجهل.

ما يثير حفيظتي ويستفز خاطري أن أرى أشخاصاً أمضوا حياتهم الطويلة في دائرة الزواج ليستجد عليهم ما يستجد من توافه الأمور فيؤول بهم الأمر إلى الطلاق، وكأنما يؤكدون على أن هذا الرابط الوثيق تتخلله الهشاشة والضعف، وينقلون بتصرفاتهم وصورهم الذهنية السلبية لمن بعدهم من جيل الشباب والشابات؛ بأن ينظروا لهذه الشراكة على أنها ماركة تجارية مستعجلة؛ وهي الزواج من أجل الطلاق، أو الطلاق من أصل الزواج؛ فمنهم من يلوح بالطلاق والانفصال في جميع الاحوال، وبأي أسلوب كان بالتلميح أو التصريح، ومنهم للأسف نماذج ناقلة للمحاكاة المجتمعية، لمن هم في المراحل الأولية للخطبة والتفكير بالزواج؛ وكأنما يشيرون رمزياً بأفعالهم بأن تعاملوا مع الأمر بسهولة؛ وكأنها مسألة دخول وخروج لأي مركز تجاري.

الزواج ميثاق نفسي وروحي قبل أن يكون جسديا؛ وهو ارتباط عائلي ومجتمعي وعرفي أيضاً، أساسهما الزوجان، ارتبطا بكلمة الله، وفي حال انفصالهما يلجؤون إلى التحكيم بأمر الله، فأين معايير هذا اللقاء للبناء والبقاء؛ أنا لا أعني كما أسلفت في مستهل المقال بإلزامية الاستمرار في دائرة الزواج إن كان هنالك ما يلزم للانفصال؛ كحاجة وحل ومخرج؛ ما أعنيه لماذا أصبح الطلاق هو أول الحلول وليس آخرها، وأقرب المخارج لا أبعدها؟ وكأنما الأمر أضحى ماركة، أو موضة عصرية، مثل الماركات التجارية؛ فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر من جهات عدة، ومؤسسات رسمية وغير رسمية، تشكل النسيج الاجتماعي للتدخل في إنعاش الروح الثقافية للمجتمع؛ وأولها الأسرة، كونهم مسؤولين عن التربية والتنشئة الوالدية، من خلال الرمزين اللذين ينقلان المعنى الحقيقي لهذا الرابط؛ فالأبناء يستمدون قوتهم وترهلهم النفسي والأخلاقي والمجتمعي من مصدرين هما الأب والأم من خلال النمذجة الوالدية؛ فإذا كانا مثالاً يُحتذى بهما في تعزيز العلاقة التي منشأها المودة والرحمة؛ حتماً سيورثان ذلك المعنى، ويترجمانه سلوكياً قولاً وعملاً، والعكس صحيح.

وهنالك مؤسسات ثقافية لها دور فاعل أيضاً ومشارك؛ مثل الإعلام والقضاء والجمعيات الخيرية ودور الاستشارات الأسرية والنفسية؛ لتوضيح قيمة الزواج المعنوية والنفسية والمجتمعية، وتبيان أهمية الإشباع النفسي المتبادل بين الرجل والمرأة، والمسؤولية الملقاة على عاتق الطرفين، وتأدية الدور الحقيقي المناط بهما، والتركيز للمقبلين على الزواج؛ بتسخير مستشارين وقنوات فضائية وتدريب وبرامج صحية وتوعوية مستدامة تساعد في التأهيل، والفحص للجوانب العقلية، والاستعدادات النفسية، تعزيزاً لدور هذا الميثاق الغليظ؛ بإبراز إيجابياته العظيمة وغاياته القويمة؛ التي أخبر عنها الله سبحانه وتعالى، ونبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ من السكن والألفة والمودة والرحمة؛ وما يترتب من الإعراض عنه؛ من الفتن والفساد السلوكي والمجتمعي العظيم. فالاحتياج الغريزي والفطري، يستلزم المحافظة على تقويته واستمراره، والمعيار الرئيس في ديمومة العلاقة، يجب أن يتخلله الرضا والقبول؛ الخِلقي والأخلاقي والكفاءة العقلية والوعي المعرفي، ليتعزز مع الزمن، ويزداد قوة مع الظروف والمحن، فالحياة مكابدة تحتاج المشاركة لتجاوز العقبات النفسية والاجتماعية، من خلال التكامل وليس التفاضل، فالزواج علامة فارقة مسجلة؛ والطلاق ماركة تجارية مستعجلة.

Yos123Omar@