"الاستغناء" السبب الرئيس لضعف علاقاتنا الاجتماعية

حلت مناسبة عيد الأضحى المبارك، ونحن ولله الحمد وطنًا ومواطنًا في أحسن حال، ومرت هذه المناسبة كغيرها من المناسبات الاجتماعية؛ لتعيد طرح عدة أسئلة تتعلق بمستوى التواصل الاجتماعي لدينا، وتتعلق بكيفيته، وتتعلق بأسباب ضعف هذا التواصل، على الرغم من وجود العديد من الوسائل والمنافذ والوسائط التي كان من الممكن أن تزيده وتعمقه وتثريه، وتعمل على تقوية علاقاتنا الاجتماعية

حلت مناسبة عيد الأضحى المبارك، ونحن ولله الحمد وطنًا ومواطنًا في أحسن حال، ومرت هذه المناسبة كغيرها من المناسبات الاجتماعية؛ لتعيد طرح عدة أسئلة تتعلق بمستوى التواصل الاجتماعي لدينا، وتتعلق بكيفيته، وتتعلق بأسباب ضعف هذا التواصل، على الرغم من وجود العديد من الوسائل والمنافذ والوسائط التي كان من الممكن أن تزيده وتعمقه وتثريه، وتعمل على تقوية علاقاتنا الاجتماعية

الثلاثاء - 07 أكتوبر 2014

Tue - 07 Oct 2014



حلت مناسبة عيد الأضحى المبارك، ونحن ولله الحمد وطنًا ومواطنًا في أحسن حال، ومرت هذه المناسبة كغيرها من المناسبات الاجتماعية؛ لتعيد طرح عدة أسئلة تتعلق بمستوى التواصل الاجتماعي لدينا، وتتعلق بكيفيته، وتتعلق بأسباب ضعف هذا التواصل، على الرغم من وجود العديد من الوسائل والمنافذ والوسائط التي كان من الممكن أن تزيده وتعمقه وتثريه، وتعمل على تقوية علاقاتنا الاجتماعية.

ويتبارى الاختصاصيون الاجتماعيون في البحث عن أسباب هذه الظاهرة المقلقة والمزعجة والتي تزيد عمقًا بتقدم الزمن، وهي ليست حديث المختصين فحسب؛ وإنما حديث الجميع، وحديث كبار السن على وجه الخصوص؛ بالنظر إلى أنها ظاهرة ملحوظة بشكل واضح لديهم، وتمس حياتهم بصفة مباشرة، ولا سيما حين يقارنون بين حالين مختلفين عايشوهما، وحين يرون وصول الخلافات والقطيعة إلى أفراد الأسرة الصغيرة الواحدة.

والحقيقة أننا حين نفكر في هذا الموضوع، أو نطرحه، ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا ما فرضته الحياة المادية المعاصرة من نمط معيشي واجتماعي جعل الإنسان قائمًا بذاته، ومستغنيًا عن الآخرين إلى حد كبير بمن فيهم الأقارب من الدرجة الأولى، ومشغولا بنفسه وأسرته الصغيرة، حيث لا يجد وقتًا لغير وظيفته التي تأخذ منه نصف يومه، وما تبقى من النهار فهو مخصص لمتابعة الأبناء والأعمال والحاجات الخاصة بالأسرة، وإن بقي لديه وقت فهو ربما يكون مخصصًا للقاء بعض زملاء العمل ضمن (المجموعة الصغيرة التي يتواصل اجتماعيًّا معها)، ناهيك عما تحتاجه طبيعة الحياة العصرية المعقدة من أعمال تتعلق بالإنسان وأسرته مما يضيق الوقت عن أدائها، وهكذا يمضي العام، وهكذا تمضي السنوات وتمر بسرعة، وإذا كان هناك إجازة في العام فهي إما لأعمال خاصة بالإنسان أو بأسرته تحتاج إلى إنجاز، وإما أن تكون وقتًا مخصصًا للسفر يهرب فيه الإنسان ممن يعرف إلى من لا يعرف، وهكذا يمضي مسلسل الحياة إلى أن ينقضي عمر الإنسان، وهذا نمط حياتنا المعاصرة، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك.

وقد ألقى هذا النمط بظلاله على العلاقات الاجتماعية فلم يعد الإنسان - مع الأسف - يعبأ كثيرًا بمشاعر أخيه الإنسان، وصارت القطيعة أسرع وأسهل قرار يتخذه الإنسان مع الصديق والقريب ومع الزميل في العمل لأيسر خلاف، وربما اتخذ هذا القرار الأخ مع أخيه، والابن مع أبيه، وهكذا، ولو بحثنا في جذور هذه الممارسات السريعة التي يتخذها الإنسان دون أدنى تردد أو مبالاة لوجدنا «الاستغناء» السبب الجوهري لها.

في السابق كان الآباء والأجداد تفرض عليهم طبيعة حياتهم التعاون والتفاهم والتواصل والاجتماع والالتقاء شبه اليومي، وعلى اختلاف المناطق في المملكة وتعدد أنماط الحياة بين المدن والبلدات والأرياف تشكل حاجة كل منهم إلى الآخر سببًا جوهريًّا في هذا التواصل، ولم يكن أحدٌ منهم مستغنيًا عن الآخر، بل كانوا في أمس الحاجة إلى بعضهم، وتشتد الحاجة أكثر إلى الأقارب، وإلى الجيران، والجميع يتشاركون في كل عمل، ويحضرون في كل فرح وحزن؛ حيث تعد البلدة أو القرية كاملة أسرة واحدة.

كان الإنسان يحتاج إلى أخيه الإنسان، ولذلك كان يراعي مشاعره، وكان يكن له الحب والتقدير والاحترام، وكان يشاركه في الفرح والحزن، ولم يكن هناك ثقافة «البنك» الذي يمكن أن يقدم تمويلا للخروج من الضائقة المالية إذا حلت، وإنما يلجأ الإنسان إلى جاره أو قريبه أو ابن قريته ليخرج من هذه الضائقة، وكان يجد الحل، وكما انعكس هذا إيجابًا على علاقات الناس في المحبة والتعاون والتفاهم والتواصل وتبادل الاحترام، وكذلك المعايشة والمشاركة الصادقة في كل الأحوال والمناسبات، انعكس أيضا إيجابًا على خلافاتهم حين تحدث مع قلتها ومنطقيتها، فتميزوا في إدارة الخلاف؛ وكانت حاجة كل منهم إلى الآخر رابطا وسببًا في التغاضي والتفاهم والتسامح؛ لأنهم يسيرون في اتجاه واحد، ويسعون إلى هدف واحد، ولا أقصد هنا الحاجة النفعية المحضة بقدر ما هي الحاجة الإنسانية والأخوية التي تتجاوز الحاجة النفعية المحضة وتسمو عنها.

هذا هو إيقاع الزمن، وعلينا أن نعترف بذلك، ونسلّم به، ونتعاطى مع الأمور بما يناسب، ومن المستحيل أن يستطيع الإنسان أن يوقف عجلة الزمن أو يقف في وجه التغيير؛ لأنها سنن كونية لا بد أن تحدث، وهي جزء من تكوين الحياة وطبيعتها، ولكن ينبغي ألا تسلب منا هذه الحياة المدنية العصرية كل شيء، وينبغي أن يكون هناك أولويات وواجبات؛ حتى لا نذوب في بحر هذه الحياة المدنية المليئة بالتعقيدات.