دلال العريفي

أحاديث إدارية.. عن التخطيط

الاحد - 06 سبتمبر 2020

Sun - 06 Sep 2020

تحكي القصة الرمزية أن غزالا كان يخطط لعبور النهر. فسأل زرافة عن عمق ماء النهر فأجابت: إلى الركبة، وحين قفز الغزال للنهر كاد أن يموت غرقا، وبصعوبة كبيرة خرج وصرخ في وجه الزرافة: ألم تخبريني أن الماء يصل إلى الركبة؟ قالت نعم، ركبتي أنا!.

هذه القصة البسيطة لا تحمل لوما لأحد، ولا تقدم عذرا لآخر. لكن حكمنا على هذا المشهد يأتي تبعا للقناعات المترسخة لدينا فنميل مباشرة لما يتوافق معها. قد يصدر بعضنا حكما سريعا على الزرافة بالكذب وعدم الوضوح والشفافية في التعامل مع الغزال، وربما توصف بالغرور الذي جعلها تحتقر الغزال، بل قد تتهم بالحسد والكيد وأنها حاولت أن تغرق ذلك الكائن البريء! ولو كانت تلك الزرافة مديرة لمؤسسة ما لاتهمت بعدم المصداقية وضعف النزاهة والممارسات الإدارية الخادعة.

لكننا لو نظرنا لمجموعة أخرى لوجدنا أن لديهم حكما نافذا وقرائن لا تقبل التشكيك على الغزال نفسه. فهو الذي فرط وأهمل وغامر دون أن يتثبت، وهو الساذج الذي ساوى نفسه بالزرافة برغم الفرق الواضح بينهما، وهو الذي لا يتحمل مسؤولية قراره وأخذ يلقي باللوم على الزرافة رغم صدقها، وهو الذي غاب واقعه عن وعيه، وقاس أمره بمنهجية الآخرين. وقد يعلنون أن الغزال لو كان مديرا لكان نموذجا للفشل الإداري، وانعدام التخطيط والتفكير الاستراتيجي، وقطعا سيتهم بأنه ليس جديرا بمنصبه ولا بالعمل الإداري!

والأمر الذي لا يهمني هنا وأتوقع أنه لا يهم أحدا أيضا أن نحاكم زرافة أو نبرئ غزالا. إنما القضية هي كيف نتأكد من عمق النهر حين يكون لزاما علينا قطعه أو السباحة فيه. ومتى ندرك أن نهر الآخرين قد لا يناسب واقعنا، ولماذا نتوقف عن التفكير المنطقي المستند إلى واقعنا، والمبني على قدراتنا ومهاراتنا الشخصية ونكتفي باتباع خطط الآخرين، وملاحقة خطواتهم؟ وهل خطواتهم تلك ستقودنا لأهدافنا نحن؟

هناك من يعتقد أن تجارب الإخفاق التي يواجهها الناس ربما كانت بسبب «زرافة» اعترضت طريقهم صدفة أو عمدا. وهناك من يظن أن الفشل الذي قد تواجهه المؤسسات ومديروها لم يكن ليحدث إلا لأنهم «غزالات» لم تفكر في النتائج المحتملة لقراراتها، وصدقت أن تقليد الخطة أو الفكرة وحده يضمن تكرار نتائج الآخرين. والأمر الذي قد نتفق عليه جميعا أن التخطيط هو الفكرة التي يجب أن تكون حاضرة على الدوام في أذهان الأفراد والمؤسسات.

التخطيط المنهجي المبني على تشخيص الواقع «واقع الشخص أو الإدارة نفسها» وليس واقع الآخرين، وتحديد نقاط القوة، ومكامن القصور اعترافا بوجودها وعملا على علاجها، التخطيط الهادف إلى طرق بوابات الفرص، وتخطي التحديات السطحية والعميقة لنهر الحياة. نعم نتألم عندما نرى أن النتائج في بعض إداراتنا لا تشبه الخطط، وأن الخطط لا تنتمي للإدارة، وأن الأرقام لا تتفق مع الواقع، وأن الواقع الحقيقي يختلف عن لوحة العرض. الخطوة الأولى لعلاج هذا كله أن نقتنع أننا لن ننجح باقتباس خطط وأفكار الآخرين وهي لا تتناسب مع ما لدينا، ولن نتجاوز نهرا إن كنا لم نحدد عمقه، ولم نتعلم كيف نرسم خطتنا الخاصة لعبوره.

@darifi_