خليل الشريف

الوهم

السبت - 05 سبتمبر 2020

Sat - 05 Sep 2020

يمر الإنسان بمراحل متنوعة ومختلفة في حياته من مراحل الطفولة والمراهقة والشباب وفترة منتصف العمر والشيخوخة والقائمة تطول.

لكن هناك محطات نمر بها نكون فيها تحت تأثير أوهام لا تمت للحقيقة بأي صلة يمكن أن تكون هذه الأوهام مسلية وجميلة أحيانا.

غير أنها في أحيان كثيرة عادة ما تؤدي إلى كوارث وتورث عواقب لا طاقة للإنسان بتحملها.

يقول مصطفى محمود «لا يوجد وهم يبدو أنه حقيقة مثل الحب، ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها وهم مثل الموت». ويقول ابن سيناء «الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء». ويقول علي الوردي «ليس هناك حد واضح بين الوهم والحقيقة، الوهم كثيرا ما يؤدي إلى خلق الحقيقة». ويقول جاك دريدا «الوهم أشد رسوخا أحيانا من الحقائق».

تعددت المقولات عن الوهم. لكنه أمر عايشه كل واحد منا في فترة أو لحظة من لحظات حياته. يبدأ الزواج مثلا بفترة الخطوبة وهي من المراحل التي عادة ما يعيشها الإنسان في ظل الأوهام والأحلام الوردية، حيث يتوهم الطرفان أنهما أفضل مخلوقين لبعضهما البعض وأن حياتهما الزوجية المقبلة ستكون قطعة من حياة الجنة على الأرض. وما يلبث أن تمر الأيام حتى يوقظهم الواقع بحقائقه المرة.

ينطبق الوهم أيضا على الأشخاص أصحاب المناصب المتنفذة والكبيرة. إن هناك وهما لطالما يتكرر في حياة أمثالهم ولا يتنبهون له. فهم يتوهمون أن العمل سينهار في حال مغادرتهم له، وأن أهمية وجودهم في تلك المناصب تفوق أهمية أي أمر آخر، وبمجرد أن تنتهي فترة خدمتهم أو يحالون للتقاعد يكتشفون أن كل ما يعتقدون عن أنفسهم وعن العمل ما هو إلا وهم، وأنه بهم أو بدونهم لن يختلف أي شيء في مشهد الحياة.

يتوهم الناس ويعتقدون أن كثرة الأموال والأولاد مصدر حتمي وأكيد للسعادة ويتسابقون على تحقيق ذلك. وما إن ينالوا المال والذرية حتى يكتشفوا أنهم لا يزالون غير سعداء وأن دوامة المسؤوليات زادت ثقلا عن السابق، ويصبح الشخص عوضا أن يحمل هم نفسه فحسب يحمل هم كل واحد من أبنائه، تعليمه ومتطلباته وعمله وزواجه ونجاحه وإخفاقاته ومشاكله.

إننا نبني أوهاما كثيرة في حياتنا قد نسميها أحيانا الحب، وأحيانا الترفيه، وأحيانا التفاؤل، وأحيانا السعادة وأحيانا الحرية، وأحيانا الماضي، وأحيانا المسؤولية، لكننا بالرغم من إخفاقاتنا وعدد المرات التي تصفعنا فيها الحياة لتوقظنا من أوهامنا نعود من جديد ونتعلق بالوهم وكما يقول أوسكار وايلد «الوهم أول كل الملذات» بل قد نتحول إلى أشخاص يهربون من الحقيقة ويلجؤون إلى الوهم.

يهرب الناس ممن يواجههم بالحقائق ويدلهم على الطريق الصحيح، ويحبون من يبيع لهم الوهم ويوجههم إلى طرق أبعد ما تكون فيها مصلحتهم تماما كما يردد غازي القصيبي «لا شيء يؤذي الإنسان مثل الحقيقة ولا شيء يسعده مثل الوهم».

كثير من الكوارث التي عاشها الإنسان كانت نابعة من أوهام باطلة، فما اعتنق الناس العبادات الباطلة وما اعتنقوا من معتقدات واهية إلا من أفكار واهمة لا حقيقة لها.

وما انتشرت الحروب والإرهاب والظلم والفقر والإدمان والتفسخ الأخلاقي والقيمي إلا من منطلقات واهمة أصلها عنصري واستبدادي ومتطرف تستند على جهل وضعف في المعرفة والعلم والحقائق المنطقية، وكما تقول عفاف الشاذلي «إن الاستغراق في الوهم يغتالنا أكثر مما تفعل الحقائق المزعجة».

إن دور الأنبياء والرسل والعلماء والمفكرين والمثقفين والمصلحين في الأرض على مر الزمن كان ولا يزال إظهار الحقيقة بين ركام الأوهام، وكل إنسان عليه أن يكون دائما باحثا عن الحقيقة، مجتهدا من أجل الوصول إليها ومن أجل ذلك عليه ألا يكون منحازا لنفسه على الدوام، وإلا سيكون عرضة للسقوط في الأوهام دائما.