طلال الشريف

تعليق لجان التعاقد في الجامعات

السبت - 05 سبتمبر 2020

Sat - 05 Sep 2020

تتعاقد جامعاتنا وكلياتنا الحكومية والخاصة مع عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس من الدول العربية وغيرها لسببين رئيسين: أولهما سد احتياجها من أعضاء هيئة التدريس للوفاء بوظائفها التعليمية والبحثية، وثانيهما للارتقاء بمستوى مخرجاتها وتبادل الخبرات الأكاديمية وتحسين مركزها التنافسي بين الجامعات العالمية، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس الأجانب ضرورة ملحة ومتطلب لطبيعة عمل الجامعات على مستوى العالم ومعيار من معايير تقييم الجامعات.

لكن الملاحظ أن أعضاء هيئة التدريس المتعاقدين يشكلون نسبة كبيرة من مجموع الهيئة الأكاديمية في جامعاتنا وكلياتنا الحكومية والخاصة ممن لا ترتقي إمكاناتهم العلمية إلى مستوى تعليمنا العالي ولا يشكلون قيمة مضافة علمية كبرى، مع توفر الكثير من الكفاءات الوطنية المؤهلة من مخرجات مشروع خادم الحرمين الشريفين ومن مخرجات جامعاتنا المرموقة، مما يستلزم رفع معايير التعاقد وتطوير لوائح المتعاقدين لتتناسب وظروف المرحلة وتوجه جامعاتنا نحو الاستقلالية والتنافسية العالمية.

فالواقع أن لدينا 55 جامعة وكلية حكومية وخاصة تتعاقد سنويا مع الأكاديميين من أعضاء هيئة التدريس من مختلف الدول العربية وفي مختلف التخصصات النظرية والعلمية، وقد ترسل كل جامعة وكلية لجان التعاقد أكثر من مرة في العام الواحد في صورة لا تعكس مستوى تعليمنا العالي، صورة يغيب فيها كثير من المعايير الموضوعية والأكاديمية الدقيقة في: (1) اختيار أعضاء لجان التعاقد (2) وفي تحديد الاحتياج الفعلي من المتعاقدين (3) وفي البحث عن المرشحين المتعاقدين واختيار ذوي الكفاءة والخبرة (4) وفي مستوى الجامعات العربية وسمعتها الأكاديمية (5) وفي إنهاء إجراءات التعاقد على مستوى الوزارة والقطاعات الحكومية الأخرى ذات العلاقة ( 6) وفي ضعف لوائح التعاقد، مما يسيء لجامعاتنا ويجعلها عرضة لاستغلال المتعاقدين، وخاصة في ظل تباين واختلاف سياسات الجامعات والكليات المتعلقة برواتب المتعاقدين والمميزات الأخرى.

ولو نظرنا إلى غياب المعايير الموضوعية والأكاديمية في اختيار أعضاء لجان التعاقد، لوجدنا عدة أسباب أهمها ضعف عملية اختيار لجان التعاقد نفسها على مستوى جامعاتنا وكلياتنا الحكومية والخاصة، وعدم ملاءمة تخصصات أعضاء لجان التعاقد وفق نوع الاحتياج، وطغيان المجاملات والمحسوبية في اختيار أعضاء اللجان، وعدم ملاءمة معايير وآليات وإجراءات التعاقد التي تضعها اللجان، وغياب الشفافية في إعلان لجان التعاقد في وسائل الإعلام، وتحول لجان التعاقد إلى لجان للسياحة والترفيه، مما زاد من حدة التنافس عليها من قبل أعضاء هيئة التدريس السعوديين.

وفي جانب تحديد الاحتياج الفعلي من المتعاقدين هناك مشكلات تتمثل في غياب الوصف الوظيفي والمسارات الوظيفية الدقيقة لوظائف أعضاء هيئة التدريس التي يعين عليها المتعاقدون من حيث المؤهلات والخبرات اللازمة للوظائف الأكاديمية والمسؤوليات والواجبات المنوطة بكل وظيفة، وغياب الشفافية في الإعلان عن الوظائف الأكاديمية الشاغرة سنويا، وسوء توزيع الوظائف الأكاديمية على التخصصات والأقسام الأكاديمية في الكليات، وضعف المعرفة وقلة الخبرة لدى بعض المسؤولين الأكاديميين حول طرق وآليات تحديد الاحتياجات الوظيفية لوحداتهم الأكاديمية.

وفي طبيعة البحث عن المرشحين المتعاقدين واختيار ذوي الكفاءة والخبرة فحدث ولا حرج، منها، عدم قبول الأكاديميين المميزين في الجامعات الجيدة للعمل في جامعاتنا بسبب ضعف المميزات المالية وغيرها، والاضطرار للتعاقد مع مرشحين لا يعملون في مؤسسات أكاديمية معتبرة أو مع حملة مؤهلات عليا يعملون في القطاع الخاص في بلدانهم وأبعد ما يكونون عن طبيعة العمل الأكاديمي ومتطلباته التعليمية والبحثية أو مع عاطلين من حملة المؤهلات العليا، صعوبة التأكد من صحة وسلامة مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم في ظل انتشار الشهادات المزورة، استغلال المتعاقدين المرشحين للتباين بين لجان التعاقد السعودية وخاصة في مجال الرواتب والمميزات الأخرى، ضعف مكاتب التوظيف في بعض البلدان في توفير وتسويق الخبرات الأكاديمية الجيدة واستغلالها لحاجة حملة المؤهلات العليا للعمل الأكاديمي خارج بلدانهم وتضليل لجان التعاقد.

وفيما يخص مستوى الجامعات العربية وسمعتها الأكاديمية، فالواقع أن معظم الجامعات العربية لا تتمتع بمستويات عالية في التصنيفات الدولية للجامعات المرموقة، وعدم وجود اتفاقيات تعاون تعليمية وبحثية بين جامعاتنا والجامعات العربية الجيدة يمكن من خلالها تبادل الخبرات والاستعانة بأعضاء هيئة تدريس معتبرين وبعقود مناسبة للطرفين ولفترات زمنية معقولة، وضعف جسور الثقة بين الجامعات العربية عموما لأسباب تتعلق بمستوى مخرجاتها التعليمية والبحثية.

وفي مجال إنهاء إجراءات التعاقد على مستوى وزارة التعليم والقطاعات الحكومية الأخرى ذات العلاقة هناك مشكلات عويصة تؤدي إلى فقدان كثير من المتعاقدين المرشحين بسبب طول إجراءات تزكيتهم من الجهات المختصة والتي قد تستغرق أشهرا عديدة، مما ينعكس أثره على المرشح نفسه وخاصة المرتبطين منهم مع جامعات في بلدانهم، وينعكس أيضا على جامعاتنا في ضمان انتظام مسيرتها التعليمية والبحثية وإرباك خططها التشغيلية السنوية.

وأما ضعف لوائح التعاقد فيكفي أن لائحة توظيف غير السعوديين في الجامعات والمضمنة في نظام مجلس التعليم العالي والجامعات ولوائحه صدرت منذ عام 1414هـ، وما تم عليها من تعديلات في الفترة الماضية يكاد لا يذكر، مما يعني أهمية تطوير هذه اللائحة لتسهل عملية الاستقطاب وتشجع الخبرات الأجنبية على التعاقد مع جامعاتنا وكلياتنا.

كل هذه المشكلات المصاحبة للجان التعاقد في الجامعات تتطلب تعليق أعمال لجان التعاقد في جامعاتنا وكلياتنا الحكومية والخاصة بشكل موقت ولمدة عام على أقل تقدير، وتستلزم من صناع القرار الأكاديمي إحداث تغيير جذري وتنسيق نوعي في إجراءات ومهام لجان التعاقد حتى لو تطلب الأمر إنشاء جهة عليا في وكالة الوزارة للتعليم الجامعي والبحث العلمي تتولى عملية تنسيق وتوحيد جهود جامعاتنا وكلياتنا ومساعدتها على وضع نظام تعاقد قوي وإجراءات عمل دقيقة للجان التعاقد تضمن الحد من كل هذه المشكلات وترفع مستوى عمل لجان التعاقد ومهاراتها في استقطاب أفضل الخبرات من قبل متخصصين على مستوى عال جدا من التأهيل العلمي والخبرة الأكاديمية.

drAlshreefTalal@