طلال الشريف

المهارات الناعمة للقيادات الإدارية الأكاديمية

الأربعاء - 26 أغسطس 2020

Wed - 26 Aug 2020

لا أجد مبررا وجيها للمنظرين والممارسين للتحيز لأحد المفهومين المتداولين (المدير والقائد) في ضوء تطور علم الإدارة والقيادة وظهور مفهوم القيادة الإدارية منذ زمن بعيد، فالقيادة الإدارية تجمع بين استخدام السلطة الرسمية وبين التأثير على سلوك الآخرين واستمالتهم للتعاون لتحقيق الهدف، والفصل بين المصطلحين في وقتنا المعاصر نوع من العبث الإداري والقيادي، بل الواجب تناولهما معا، فالمدير يجب أن يكون قائدا، والقائد يجب أن يكون مديرا، مع ضرورة التركيز على المهارات الحديثة اللازمة للقيادات الإدارية.

ومن وجهة نظر شخصية تعد القيادة الإدارية الأكاديمية بشقيها الإداري والقيادي من أصعب أنواع القيادات الإدارية بسبب الطبيعة المتغيرة للجامعات، ولكون الجامعات مجتمعا من العلماء يعمل ضمن درجة عالية من الاستقلالية الفكرية والديمقراطية واللامركزية في اتخاذ القرارات بدرجة مشابهة لإدارة الشركات، وبسبب التحديات التي تواجه القيادات الإدارية الأكاديمية في تحقيق التوازن بين ممارساتها الإدارية الرسمية التقليدية المرتبطة بالعمليات الإدارية المباشرة من التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والتوظيف والمتابعة والاتصالات واتخاذ القرارات، وبين ممارساتها القيادية المرتبطة ببناء الرؤى والتصور الأوسع لنطاق الأدوار والمسؤوليات الجامعية المؤسسية ذات التأثير الأكبر على القيم والهويات الأكاديمية وتنمية المجتمع وتحطيم البيروقراطية وتحريك العاملين نحو التفكير بالمستقبل والاستعداد له وتطوير المبادرات والتشجيع والتحفيز.

وقد كشفت بعض الدراسات في معهد (ستانفورد) أن النجاح في العمل على المدى الطويل يعتمد بنسبة (75%) على المهارات الناعمة، و(25%) على المهارات الصلبة، وهو ما يستحق العناية والاهتمام على مستوى الجامعات، فالمهارات الصلبة تتمثل في المؤهلات والقدرات المعرفية والخبرات المحددة لأداء المهام وهي للأسف المعيار الأساسي في الحصول على الوظيفة في مجتمعنا، والمهارات الناعمة سمات شخصية تتعلق بالتعامل الفعال وتكوين العلاقات مع الآخرين والإبداع كمهارات الذكاء العاطفي والتفكير النقدي وقيادة التغيير والعمل ضمن فرق العمل والإبداع والابتكار وكفاءة التواصل وإدارة المكان والتفاوض، ونادرا ما تكون ضمن معايير التوظيف أو التكليف بالمناصب القيادية.

إن مؤشرات الواقع في بيئات العمل الجامعية تؤكد أن الأكاديميين يمتلكون المهارات الصلبة وبمستويات عالية ولديهم قصور كبير في المهارات الناعمة، ومؤشرات امتلاكهم للمهارات الصلبة تظهر من خلال تأهيلهم العلمي من مختلف الجامعات المحلية والعالمية، وممارساتهم الإدارية على مستوى الوكالات والكليات والعمادات والمجالس واللجان وفرق العمل، وخبراتهم الأكاديمية في مجال التعليم المتخصص وفي البحث العلمي وخدمة المجتمع.

ومؤشرات قصور امتلاكهم للمهارات الناعمة تبدو من خلال الانغماس في الأعمال الإدارية البيروقراطية اليومية، ضخامة التكليفات الإدارية والأكاديمية الأسبوعية، غياب المعايير الواضحة والديمقراطية عند ترشيح القيادات الأكاديمية، تجاهل الصراعات الأكاديمية على مستوى الأقسام، الشعور لدى البعض بغياب العدالة في فرص المؤتمرات والدورات والاتصال العلمي والتفرغ العلمي والتكليف بالمناصب القيادية، عدم القضاء على مهارات الظل كالنفاق والمجاملة والشللية والتحزبات والنميمة والغيبة والتطبيل والتلميع وتسمية الأشياء بغير أسمائها والتعامل مع الأشخاص وليس الأفكار.

وإذا ما أردنا في الجامعات إحداث التحول النوعي في ممارسة القيادة الإدارية والانطلاق بالجامعات إلى مستقبل أفضل تحقق من خلاله دورها التنموي كمؤسسات قيادية للمشروعات التنموية المستدامة وتضع نفسها على خارطة التنافس مع الجامعات العالمية والتأثير في مستقبل الحضارة الإنسانية، فالواجب علينا بالدرجة الأولى إعادة النظر في خططنا الاستراتيجية برؤاها وأهدافها وبرامجها ومبادراتها ومؤشرات قياسها وتقييم نسب تحققها بعيدا عن استنساخها أو إعدادها من قبل مستشارين من خارج الجامعة لا يمتون بصلة لواقع الجامعات وطبيعة بيئتها الداخلية والخارجية ومعطياتها وقضاياها، لتبنى على الاحتياجات الحقيقية والمشاركة الفعلية على كافة المستويات، فلن يتحقق أي هدف للمستفيد بالشكل المطلوب ما لم يشارك في وضعه والإيمان بتحقيقه، ثم التركيز على خلق بيئة عمل أكاديمية صحية يشيع فيها قيم الاستقلالية الفكرية والحرية الأكاديمية والإدارية والتعاون والعدالة والمشاركة والتحفيز والإبداع والابتكار، والعناية الخاصة ببرامج ومبادرات تطوير الموارد البشرية القيادية وجعل المهارات الناعمة العمود الفقري لتلك البرامج والمبادرات، وبناء معايير دقيقة وموضوعية في ترشيح القيادات الإدارية الأكاديمية للمناصب القيادية وتقييم ممارساتها القيادية الناعمة بشكل دوري من داخل الجامعة ومن خارجها، وتفعيل الدور الحقيقي لعمادات الموارد البشرية لتكون صاحبة القرار الأول في تطوير الموارد البشرية في جامعاتنا.

drAlshreefTalal@