طلال الشريف

قشور الحوكمة

السبت - 08 أغسطس 2020

Sat - 08 Aug 2020

لأن الموارد تتصف بالندرة النسبية أو المطلقة مع وجود الاحتياجات والرغبات اللامحدودة لأفراد المجتمع، تطورت المفاهيم والممارسات الإدارية لتواكب التحديات التي تواجه القيادات في التعامل الجيد مع ندرة الموارد. حيث ظهرت الحوكمة كمنهجية إدارية معتبرة نتيجة الانهيارات الاقتصادية في أواخر القرن الماضي والفضائح المالية وحالات الفساد وضعف أداء القطاعات الحكومية والخاصة وضعف منظومة الرقابة وفشل سياسات الإصلاح الاقتصادي في عمومها.

والحوكمة في أصلها كلمة إغريقية تعني براعة ربان السفينة في قيادتها وسط الأمواج العاتية والعواصف والأعاصير، وفي واقعنا المعاصر هي الإدارة الرشيدة الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة القائمة على سيادة القانون والعدالة والشفافية والمساءلة والمحاسبية والمعنية بأداء الأنشطة والأعمال بأقل جهد وأقصر وقت وأقل تكلفة وأعلى جودة في ضوء القواعد والقوانين والإجراءات والمعايير والرقابة الفاعلة وبما يكفل حماية وحفظ حقوق ومصالح جميع الأطراف ذات العلاقة.

ويبدو أن هناك ضعفا في فهم وتطبيق ومنظور الحوكمة من قبل القطاعات الحكومية وعدم مواكبتها للمجالس الوطنية العليا في ممارساتها للحوكمة، ما يستلزم الوعي بمستويات الحوكمة والعلاقة بين تلك المستويات.

فالحوكمة على ثلاثة مستويات، المستوى الدولي والمستوى الوطني وعلى مستوى المنظمات - العامة والخاصة والأهلية - وما يهمنا في هذا المقال ممارسة الحوكمة على المستوى الوطني ومستوى قطاعاتنا الحكومية، فرؤيتنا لعام 2030 أكدت على تطبيقات الحوكمة على المستوى الوطني - القطاعات العامة والقطاعات الخاصة والقطاع الثالث – وعليه عنيت الدولة ببناء دولة الرفاهية من خلال التشريع والقضاء والأمن وتقديم الخدمات العامة، ودعمت القطاع الخاص في مسؤولياته عن إنتاج وتوفير السلع والخدمات، وحفزت القطاع الثالث على ممارسة أدواره الاجتماعية التطوعية، وقامت المجالس الوطنية العليا كمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ومجلس الشؤون السياسية بدورها في دعم القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية وحثها على ممارسة الحوكمة في نشاطاتها المختلفة، ورسمت الطريق لتلك القطاعات وهيأت المناخ المناسب لها، إلا أن ممارسة القطاعات الثلاثة للحوكمة لا تزال خجولة وفيها كثير من الضبابية والغموض، وممارساتها الإدارية والقيادية تقليدية وجامدة وأسيرة لأنظمة وإجراءات عتيقة لا تتناسب وممارسات الحوكمة، وكل ما يحدث من ممارسات لا يتجاوز قشور الحوكمة.

وبنظرة عامة لمعايير قياس ممارسة الحوكمة في قطاعاتنا الحكومية نلحظ مظاهر غياب الحوكمة الحقيقية على أرض الواقع؛ فسيادة الأنظمة والقوانين واللوائح ضعيفة بسبب عدم ملاءمتها للمتغيرات المعاصرة وعدم تحديثها باستمرار واختراقات المحسوبية والعلاقات الخاصة والمصالح الشخصية والفئوية واستغلال المناصب، والمشاركة في صناعة القرارات داخل القطاع الحكومي غير مؤطرة ولا مؤسسية وضعيفة وضيقة وشكلية وفي القضايا والموضوعات الهامشية، وسرعة الاستجابة لمتطلبات المستفيدين والتعامل معهم بمفهوم العميل أولا وأخيرا دون المأمول باستثناء قطاعين أو ثلاثة، والفاعلية والكفاءة ضعيفة جدا بدليل تكرار أهداف وبرامج القطاعات في خططها السنوية مع وجود هدر كبير في الموارد وبيروقراطية في معظم التعاملات والإجراءات داخل القطاع وغياب التمكين الحقيقي، وأما الشفافية والمساءلة والمحاسبية فحدث ولا حرج عن غيابها التام في قطاعاتنا الحكومية بحكم سلبيتها وعدم مبادرتها في تعرية كثير من مظاهر الفساد الإداري والمالي واكتفائها بما تقوم به الجهات المختصة، وأيضا غياب المساءلة لمنسوبيها المتجاوزين لسيادة القانون وحتى محاسبتهم وفق نصوص النظام.

وإذا ما أرادت قطاعاتنا الحكومية الإسهام القوي في تحقيق التنمية الاقتصادية ورفاهية المجتمع وتحسين نوعية الحياة والقضاء على الفساد كمرض إداري واجتماعي واقتصادي وجب عليها الالتزام بالتطبيق السليم للحوكمة ومبادئها وفهمها والاقتناع بممارساتها كما يجب كإدارة رشيدة ومواكبة سياسات المجالس الوطنية العليا والتكامل معها، والاستفادة من جميع المتغيرات الإدارية المعاصرة، وأبرزها إدارة المعرفة، والإدارة فائقة السرعة، والإدارة بلا ورق، والإدارة على المكشوف وغيرها من الأساليب المعززة لتطبيقات الحوكمة.

drAlshreefTalal@