آلاء لبني

الصراعات المائية الجيوسياسية

الخميس - 30 يوليو 2020

Thu - 30 Jul 2020

المياه العذبة عصب الحياة، فبوجودها تزدهر الحياة قال تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، كان الماء وسيبقى سببا لظهور الحضارات والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وسببا للتعاون والوفاق أو التنازع والصراع حسب المعطيات.

من يملك الماء يملك السيادة، قصة السيدة هاجر قديما أشارت لذلك، إذ ورد أن ركبا من جرهم مر بماء زمزم، فسألوها: لمن هذه الماء؟ فقالت: هو لي. فلما أذنت لهم نزلوا وبعثوا إلى أهاليهم.

وحديثا شهد العالم صراعات جيوسياسية على المياه، فالأمن المائي متطلب للحياة والإنتاج والصحة والتنمية المستدامة، وبدون إدارة موارد مائية بطرق مستدامة لا أمن مائيا، مما سيؤثر على كل القطاعات كالأمن الغذائي.. إلخ.

الأمن المائي إحدى أهم قضايا الوطن العربي، وذلك لعوامل جيوسياسية وطبيعية كوقوع معظم أراضينا في النطاق الجاف وشبه الجاف. دول فقيرة مائيا لا تمتلك أنهارا عذبة وتعتمد على تحلية مياه البحر، يساعدها على ذلك الوفرة المالية وتعتمد على المخزون الجوفي ويتزايد الخطر والفقر مع الجفاف وسوء الإدارة المائية.

ودول تعاني بسبب الأبعاد الجيوسياسية. في قصة حياة النهر من المنبع فالمجرى ثم المصب تتلخص الحكاية وتخلق تحالفات أو صراعات أو حروب على وشك الانفجار.

75 % من أنهار العالم العربي تتحكم بها دول أخرى، فدول المنبع (أي المنطقة التي ينبع منها مجرى النهر وهي المنطقة التي تزداد فيها كميات الأمطار الهاطلة وتتجانس مع طبوغرافية الأرض فيتشكل النهر ليمتد جريانا) تمتلك السيطرة والقدرة على التحكم بجريان النهر، وهذا ما يؤطر بإطار الاتفاقيات دوما لتحديد الحصص المائي.. إلخ. وكلما ازداد طول الجريان في دولة المنبع زادت قدرة الدولة على التحكم به.

الصراعات المائية السياسية بين تركيا وسوريا والسدود قصة ترجع للأبعاد الجيوسياسية. فنهرا الفرات ودجلة ينبعان من الجبال الواقعة شمال تركيا، ويمر الفرات عبر سوريا ثم العراق، أما دجلة فيمر من تركيا للعراق مباشرة.

الحروب بسبب الأمن المائي ليست جديدة بالمنطقة، إسرائيل أدارت عددا من الحروب بدافع السيطرة على المياه فقط، منها رغبة إسرائيل بالتحكم بحوض نهر الأردن. لتغير مجرى نهر الأردن لتروي عطش الأراضي الزراعية، وتعطش الأردنيين وتهددهم متى أرادت بين حين وآخر لخفض الكميات والحصص المائية! أرييل شارون، قال: في الواقع حرب الأيام الستة بدأت في اليوم الذي قررت فيه إسرائيل تحويل مجرى نهر الأردن.

وهذه الأيام نسمع عن حرب التصريحات في أفريقيا وتعثر مفاوضات سد النهضة بإثيوبيا على نهر النيل. وأصبح مجلس الأمن حاضرا في الخلاف بعد طلب مصر. ماذا لو انهار السد؟ ما القصة؟

نهر النيل أطول نهر في العالم، فهو ينبع من إثيوبيا النيل الأزرق، ومن بحيرة فكتوريا النيل الأبيض، ثم يتحد المجريان بمجرى واحد ويخترق النيل نهر الحياة مصر عبر الأراضي الصحراوية الشرقية والغربية، وكما يقال مصر هبة النيل، فعلى أطرافه تشكلت وتركزت الحضارة الفرعونية، وإلى اليوم تتركز الكثافة السكانية على هذا الشريط المائي إلى أن يصل النهر إلى البحر المتوسط ليصب فيه.

لماذا الساحة تشهد توترات بين إثيوبيا ومصر والسودان؟

مصر تعتمد على مياه النيل بنسبة 93% والسودان 77%، مصر تزداد مخاوفها من خطر انخفاض نصيب الفرد من المياه! فهي تستخدم 5 مليارات متر مكعب للزراعة، وقد أعرب وزير الري بمصر عن قلقه من خسارة الأراضي الزراعية، هذا عدا الضرر من انخفاض المياه في السد العالي بمصر وإمداد الكهرباء.

أما في السودان فقد انخفض منسوب مياه النيل الأزرق في سد بحيرة الرصيرص بعد يومين من إعلان إثيوبيا بدء تعبئة خزان سد النهضة. مع هذا المشكلة أقل خطرا على السودان بسبب عدد من العوامل الطبيعية، وكذلك إثيوبيا تتجه لوعود بإمداد السودان بكمية من الكهرباء.

ترى إثيوبيا أن الاتفاقيات القديمة غير منصفة لأنها كتبت حسب مصالح المستعمرين في تلك الحقبة.

إثيوبيا الآن ليست إثيوبيا الماضي، فهي من أكثر الدول الأفريقية نموا اقتصاديا وازدادت احتياجاتها، وتعاني من تفاوت توزيع المياه والخدمات بين مناطقها، فالسد الذي كلف نحو 4 مليارات دولار وبدعم متعدد الأطراف لأغراض سياسية وصندوق النقد الدولي، يمثل الأمل في توفير الكهرباء والمياه والخدمات لمناطق سكانية، خاصة أنها تعاني من تفاوت التنمية بين مناطق التركز التوزع السكاني ووصول الكهرباء. لذلك تطمح أن تولد 6 آلاف ميجاوات من الطاقة عبر سد النهضة بحلول 2022.

هل السد ظهر من العدم؟ في الواقع عام 2015 وقعت اتفاقية بين الدول الثلاث توجت بالنجاح!

هل بني السد حتى لا يملأ مثلا؟ انتهت إثيوبيا من المرحلة الأولى من ملء السد، ومن أهم نقاط الخلاف الفترة المخطط لها لملء السد أن إثيوبيا ترغب في ملئه في 3 سنوات، بينما تطلب مصر ملأه في 7 سنوات.

هناك خلاف على حصص ونسب مصر وسد العجز في حال استمرار حالة الجفاف مع قلة كمية الأمطار، خاصة أن الأمطار التي تغذي النيل لا تسقط بالكميات التي كانت تسقط بها في الماضي، مما ينبئ بنتائج كارثية لحوض النيل بأسره.

AlaLabani_1@