فهد عبدالله

حرق مرحلة الحوار

الاحد - 05 يوليو 2020

Sun - 05 Jul 2020

في أحد الاجتماعات اللطيفة مع بعض الأصدقاء الذين تربطني بهم علاقة صداقة رائعة وبعض المشاريع الاستثمارية ألاحظ بعض الأحيان في طريقة حواراتنا أننا نمارس ما أسميه «حرق مرحلة الحوار» والخلوص للنتائج بأسرع وقت ممكن، وكثيرا ما يتكرر لدينا فيما بعد الحوار والنتائج حوارات أخرى سريعة تؤدي بنا بعض الأحيان إلى تغيير تلك النتائج التي ظهرت سابقا.

وعندما أتأمل في الحوارات التي أراها في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى في اجتماعات العمل والأحاديث الودية بين الأصدقاء، أجد فيها هذا الملمح (حرق مرحلة الحوار)، وعندما تدخل في نطاق مشكلة تجمع أطرافا متعددة تجد أنها ابتدأت بالخلوص إلى النتائج دون وجود الحوار أو حوار بدائي لم يرتق لأن يأخذ الوقت المناسب له أو لم تكتمل فيه أركان الحوار من الإنصات والتفهم.

كثير من المشاجرات التي تحدث في مجتمعنا تبدأ بعدم تفهم وسوء بالنوايا، وقد تنتهي إلى الاعتداء اللفظي والجسدي، وقد تصل لا سمح الله إلى القتل، وبعد ذلك يحدث تجييش للجاه والمال من أجل العفو عن القاتل أو حتى مجرد الحصول على وقت كاف لأجل التواصل والحوار فقط مع أولياء الدم، والذي لم يكن مطلبا عند بداية حدوث الشجار بين المتخاصمين.

ليس لدي إحصائية دقيقة تعبر عن مشكلة الحوار في مجتمعاتنا، ولكن عندما أشاهد الأنماط المتكررة من هذه المشكلة في شاشة التلفاز والجهاز الذكي وفي العمل والشارع والمنزل أيضا، أميل إلى أن هذا مؤشر حقيقي لوجود خلل في تأسيس فضيلة الحوار في مجتمعاتنا، ويجب أن تأخذ حظها من المعالجة سواء من خلال العمليات التربوية في المنزل وكذلك العمليات التعليمية في المدارس.

الحوار الذي تجتمع فيه أركانه ليس مجرد أسلوب تعامل راق ودلالة للتحضر الأخلاقي أو وسيلة ناجعة للخلوص إلى النتائج فحسب، بل هو بحد ذاته وبغض النظر عما آلت إليه المخرجات يعتبر غاية تتحقق من خلالها الغايات التي قد نتوقعها سلفا أو ننبهر بها بعد التمام، وتحقيقا لحاجة من أكثر الحاجات إلحاحا في بني البشر من حيث التحدث إلى الآخرين والاستماع لهم، والتي تشكل أهم قوالب الاهتمام.

قد يمر أحدنا بتجربة حوار ملهمة، خاصة عندما تكون الحاجة ماسة إليه للخروج من مشكلة أو التوصل لنتيجة أو لتحقيق هدف ما، ويجد بعد ذلك أن الحوار كان مفيدا له لأنه يمنح جرعة شفاء بمجرد التحدث والإنصات حول تلك المضمرات التي لم تخرج من الداخل أو تلك الفرص العظيمة التي من شأنها أن تغذي النمو والانتقال بالعقل والمشاعر من حال إلى حال.

هناك كثير من العوائق التي قد تطيح بجودة مشروع الحوار عندما يبدأ، ولكن من خلال التجربة ورسم الملاحظات من هنا وهناك، سواء كانت في نطاقات أهل العلم والثقافة أو ما دون ذلك، وجدت أن أكبر عائق متكرر لنجاح الحوارات هو ذلك التعامل الوصائي تجاه الآخرين بأن ما لدي هو الصحيح وأن الطريق دائما من ذلك الاتجاه، وهذه الطريقة الذهنية في التعامل مع الحوار تطيح بالحوار قبل أن يبدأ.

fahdabdullahz@