دلال العريفي

مهارات المستقبل وإغلاق الجامعات

السبت - 04 يوليو 2020

Sat - 04 Jul 2020

ندرك جميعا حجم المتغيرات والتحولات المتسارعة من حولنا، والتي تستدعي كلها التفكير كثيرا في موضوع المهارات الناعمة وأهميتها في تطوير الأفراد والمؤسسات، حتى قبل الأحاديث والنقاشات الأخيرة عن مهارات المستقبل.

ولعلنا نتحدث عن تلك المهارات بعد أن «ركد الرمي» بمفهوم الدكتور القصيبي. فما حدث هو غالبا ما يحدث عند كل قضية، وفي مواضيع كثيرة، حيث يتخذ البعض مواقعهم تماما كما يتخذونها في أرض معركة. وفي هذا الشأن كان هناك حزب للمبالغين بالمهارات والمغالين فيها، وحزب المهاجمين لهم.

كل حزب يدافع عن فريقه الذي انتسب لرأيه، ثم يبدأ بتصنيف الآخر واتهامه، حتى تكاد تكون المنطقة المحايدة بينهما ضيقة جدا لا تتسع إلا لعدد محدود لا ينتمون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لكنهم لا يسلمون من هجمات وتصنيفات الفريقين. ولا زلت أتساءل: هل أجبرهم أحد على اختيار أحد الحزبين والانتماء إلى رأي دون آخر، أو أخبرهم أن الدنيا لا تتيح لنا أكثر من خيارين!

كنت دائما من الداعمين والداعين إلى الاهتمام بالمهارات الناعمة، والاعتراف بها في التعليم والتوظيف، لكن ذلك لا يعني أبدا الاكتفاء بها والاعتماد عليها، أو الاستغناء عن الشهادات الجامعية، ولم يكن هناك دعوة إلى التخلص من المؤهلات العليا أو إغلاق المدارس والجامعات. واليقين الراسخ لدي أن من يدعو إلى تقليل قيمة المؤهلات العلمية إنما يدعو إلى تحجيم العلم وأهميته، والعودة إلى الجهل وضعف الوعي والاستسلام إلى اجتهادات المجتهدين!

أظن أن موضوع المهارات والاهتمام بها سيكون إحدى القضايا المهمة في التعليم وبحوثه مستقبلا. ولعلنا نتفق هنا على ألا حاجة لإجبار أحد على اختيار التعليم دون مهارات، أو المهارات دون تعلم أو تعليم، بل سيكون من الحكمة توظيف التعليم ومؤسساته في تنمية المهارات وتوجيهها. ولعل المناهج الجديدة للمرحلة الثانوية ستدعم هذا التوجه.

ولنا أن نتخيل مثلا كيف سيكون حال خريج الثانوية أو الجامعة إن تلقى جرعات كافية من مهارات القيادة والذكاء العاطفي والاجتماعي، وإدارة ذاته وعلاقاته وحواراته، والتواصل الفعال، ومهارات الإقناع والتأثير، والعمل ضمن الفريق، والتكيف، والتفكير الناقد، وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وعرض الأفكار، والمهارات الرقمية والتقنية، والتفاوض والتعامل مع الضغوط، وغيرها من المهارات، ثم انطلق إلى ميدان العمل بمؤهلات علمية مناسبة تكسبه وظيفة، ومهارات شخصية ناعمة تؤهله لاعتلاء قمم تلك الوظيفة. فتنمية المهارات والاهتمام بها إنما يساهمان وبشكل كبير في توجيه ودعم التعليم والمتعلمين، ويرتقيان بالمستوى الشخصي لهم، وذلك كله ينعكس إيجابا على مستقبلهم وبيئاتهم.

إن الطموح الكبير أن نقدر أصحاب المؤهلات العلمية، دون أن نغفل عن تقدير أصحاب المهارات، والطموح الأكبر أن تكون المدارس والجامعات منارات علم وتعليم وتنمية وارتقاء، تؤهل طلابها علميا ومعرفيا ومهاريا، فتأخذ بعين الاعتبار أن تكون المهارات جزءا أساسيا من المنهج، فالمهارة والعلم مفهومان ليس بينهما صراع ولا تنافس، بل إن أحدهما يرفد الآخر ويدعمه ويكمله، والتعليم سيظل ناقصا إن لم تكن المهارات ضمن محتواه. وحال الطالب كالطائر لا يمكنه التحليق عاليا إلا إن كان جناحاه قويين ومتوازنين.

أخيرا، لو خيرنا أي شخص لديه مؤسسته «الخاصة» بين موظف بمؤهلات عالية ومن جامعة قوية لكنه يفتقر للمهارات الشخصية والاجتماعية، وبين موظف مؤهلاته متواضعة لكن مهاراته الناعمة تفوق الطموحات، فمن سيختار؟

تذكر - عزيزي القارئ - لا تستسلم لعبارة اختر هذا أو ذاك، فالدنيا تقدم دائما خيارا ثالثا ورابعا وخامسا، إن لم تجدها ابتكرها.

@darifi_