بندر الزهراني

الاختراع.. براءات هو أم براعة!

السبت - 13 يونيو 2020

Sat - 13 Jun 2020

براءة الاختراع وثيقة رسمية تحفظ حقوق المخترع، وعادة ما يخلط الناس بين كلمتي براءة وبراعة، فبعضهم يقول براعة الاختراع، وهم لا يقصدون الوثيقة بالمعنى القانوني، ولكنهم يذهبون إلى معنى أجمل وأدق، فالبراعة مصدر برع يبرع فهو بارع، أي برع في الابتكار والاختراع، ولا يلامون في هذا الخلط، فالعقل الباطن ارتبط لا شعوريا ببراعة المخترع وجودة ابتكاره، فضلا عن أن يكون الاختراع قابلا للتطبيق والتصنيع، ثم الاستفادة منه كمنتج فيما بعد، ولو عدنا لكلمة براءة لوجدنا أن المقصود منها هو إبراء الذمة بأن هذا المخترع أو ذاك قد حصل له السبق فيما اخترعه، وبالتالي ما ينتج عنه من فوائد مادية أو معنوية فهي ملك له.

براءات الاختراع في جامعاتنا ومراكز أبحاثنا لم تتوقف على المخترَع المادي، وهو المعمول به في كل أنحاء العالم، لكنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، فبعض الباحثين وأساتذة الجامعات المحليين لديهم براءات اختراع على مجرد أبحاث عادية، وفي غالبها مقلدة أو ليس فيها أفكار يمكن أن يقال عنها حتى إنها شبه أصيلة، وتصرف لهم بدلات تميز على براءاتهم من هذا النوع، وهذه بلا شك صورة من صور الفساد المقنن، فهناك على سبيل الاستشهاد جامعات تتعامل رسميا مع مكاتب محاماة أمريكية تسجل الأبحاث النظرية على أنها أفكار يمتلك حقوقها أساتذة محليون، ليس لجودتها، ولكن نظير ما يدفع لهذه المكاتب من أموال!

مثل هذه الممارسات وغيرها من صور سوء الإدارة الأكاديمية أفسدت على المخترعين والمبتكرين الحقيقيين من العلماء المحليين معنى التميز وروعة الإنجاز، أو كما يقال عند الفقهاء: ما أسكر كثيره فقليله حرام، ولا أدل على هذا الفساد من بدلات التميز والجوائز المالية التي تصرف في الجامعات لمن لا يستحقها، فضلا عن أن يشار لهذا الأستاذ أو ذاك بالتميز أو يقال عنه «مخترع»!

وعلى الرغم من هذا الجانب المظلم السوداوي الذي لا تخلو منه المجتمعات، إلا أن المخترِع المحلي لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن غمط حقوقه وإنكار وجوده أو إغفال إنجازاته واستحقاقاته!

ونحن في الواقع لسنا ضد الفرح والابتهاج بعدد براءات الاختراع التي نالتها الجامعات والمراكز البحثية، بل على النقيض تماما، وسنكون أكثر سعادة إن خرجت هذه الاختراعات من محابسها الورقية وأثبتت جدارتها الفعلية، ولا نظن أن عاقلا يقف ضد الإبداع والابتكار أو الاحتفال بهما، لكننا ضد الابتهاج المبالغ فيه، وضد ما يمكن أن تجيّره الإدارات الأكاديمية لنفسها من إنجازات ليست لها، فتثني عليها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي كعادتها من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فيقع ما نخشى ونحذّر من وقوعه!

دعوني أختم بقصة قصيرة عن مخترع من زمن جميل: كان أبي مهندسا كهربائيا بالفطرة، وكانت معظم قرى المنطقة الجنوبية آنذاك نائية، وتنقطع عنها الكهرباء، وتختفي الطرقات إذا ما نزلت الأمطار بغزارة، وصدف ذات يوم أن امتلأت السماء رعودا وبروقا، واجتاحت السيول قريتنا الوادعة على سفوح جبال السروات، فانقطعت الكهرباء وعاش الناس في ظلام دامس ثلاثة أيام كاملة، حتى جاء أبي من سفره، فهرع إليه الناس قبل وصوله إلى بيته يخبرونه بالحادثة، فذهب مباشرة إلى خزان الكهرباء، ولا أدري ما فعل حينها، إلا أنه في أقل من عشر دقائق أعاد الحياة، واحتفل به الناس وشكروه، ثم جاءت شركة الكهرباء لمّا علمت بالأمر وقدمت له الشكر، ولو أن الدولة أرسلته للدراسة في جامعة برنستون لكنت اليوم أحدثكم عن البراءات الحقيقية بعد ملكة البراعة الربانية، ومثل أبي من العباقرة في بلادنا كثيرون أيها النبلاء!

drbmaz@